google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik
أرشيفية
أرشيفية

كيف تؤثر أزمة فيروس كورونا على تعافى اقتصاديات العالم؟

في نهاية فبراير 2020، ضربت أنباء الانتشار العالمي لجائحة كوفيد-19 الأسواق المالية بقوة وعنف، فبعد شهر واحد من اندلاع الجائحة، وصل خوف المستثمرين من المخاطر المحيطة بالعالم إلى حد لم يشاهد منذ ذروة الأزمة المالية العالمية، وبدأت تدفقات رؤوس الأموال في الخروج من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. وكرد فعل، اتخذت اقتصادات الأسواق الناشئة سياسة نقدية معاكسة للتقلبات الاقتصادية الدورية، وذلك في أعقاب ما قامت به البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة من تخفيض معدلات السياسة النقدية قدر الإمكان، وتقديم مجموعة من برامج شراء الأصول (APPs – Asset Purchase Programs) لدعم أسواق الائتمان.

وتشير التوقعات الى تعافي الاقتصادات المتقدمة من أزمة كوفيد-19 بوتيرة أسرع من معظم الاقتصادات الناشئة، انعكاساً لأسبقيتها في الحصول على اللقاحات، وقدرتها الأكبر على اتخاذ سياسات داعمة للاقتصاد الكلي. وقد يؤدي التباين في وتيرة التعافي الاقتصادي الى تعقيد مهمة البنوك المركزية فى الأسواق الناشئة، وذلك إذا بدأت أسعار الفائدة فى الاقتصادات المتقدمة في الارتفاع بينما لاتزال الظروف في الأسواق الناشئة تستدعي تبنى سياسات نقدية تيسيرية، ومما لا شك فيه أن تقديم إرشادات واضحة من قبل البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة حول السيناريوهات المستقبلية المحتملة للسياسة النقدية سيكون عاملًا أساسيًا لتجنب الاضطرابات المالية في الأسواق الناشئة. وتجدر الإشارة الى انه منذ الإعلان عن العديد من تجارب لقاحات كوفيد-19 الناجحة في أواخر عام 2020، تحسنت التوقعات الاقتصادية العالمية، لكنها لا تزال متباينة إلى حد كبير.

ونظراً لاختلاف سرعة الدول فى التعافى من الجائحة، فمن الممكن أن تحتاج العديد من الأسواق الناشئة لتعديل سياستها المالية لفترات زمنية طويلة، وفى ضوء القدرة المحدودة المتاحة للسياسة المالية خاصة بعد الزيادة الحادة فى الدين العام فى العام الماضى، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من دور السياسة النقدية.

وهذا يثير التساؤل حول مدى استقلالية قرارات صانعي السياسات في الأسواق الناشئة في إبقاء أسعار الفائدة الأساسية منخفضة في وقت قد يؤدي فيه تحسن الظروف الاقتصادية إلى دفع البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة إلى البدء في رفعها. إلا أن هناك العديد من المبررات التي تحد من المخاوف بشأن السياسة النقدية في الأسواق الناشئة خلال فترة التعافي الاقتصادي العالمي، وهي:

أولاً، توفر أسعار الصرف المرنة حماية كبيرة من الدورة المالية العالمية ولكنها لا تزال غير كافية.

ثانيًا، إن التزام البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة بالحفاظ على التيسير النقدي حتى يتم التعافي، يقلل من احتمالية حدوث تشديد مبكر في الأوضاع المالية العالمية.

ثالثًا، قد يشير الاتجاه الجريء الذي اتخذته الأسواق الناشئة بشأن تيسير السياسة النقدية خلال جائحة كوفيد-19 إلى أن هذه البلدان قد اكتسبت مزيدًا من الاستقلالية في وضع سياساتها بما يتماشى مع الاحتياجات المحلية.

انتقال أثار التغييرات المفاجئة للسياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة

ينتقل أثر التغييرات المفاجئة في السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة الى الأوضاع المالية في الأسواق الناشئة من خلال قناة المخاطرة “risk channel“، حيث تؤثر تلك التغييرات المفاجئة على التصورات المتعلقة بالمخاطر وبالتالي على الأوضاع المالية في الأسواق الناشئة.

  يتم تعريف التغييرات المفاجئة في السياسة النقدية في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو على أنها التغييرات في عوائد السندات الحكومية ذات آجال عامين خلال إطار زمني محدد من تاريخ الاعلان عن قرارات السياسة النقدية. وتقاس آثار قرارات السياسة النقدية التي يصدرها مجلس الاحتياطي الفيدرالي أو البنك المركزي الأوروبي على الأسواق الناشئة بالتغييرات التي تحدث في أسعار أصول والمؤشرات المالية في الأسواق الناشئة المختلفة خلال يومين من تاريخ الإعلان عن قرارات السياسة النقدية.

  يؤدي التشديد المفاجئ في السياسة النقدية بمقدار 100 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة قدرها 47 نقطة أساس في عوائد السندات الحكومية ذات آجال عامين فى الأسواق الناشئة، وانخفاض فورى بنسبة 1 نقطة مئوية في قيمة عملات الأسواق الناشئة أمام الدولار الأمريكي، وتدفقات للخارج في محافظ الاستثمار بالأسواق الناشئة بمقدار 7 نقاط أساس من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، كما تتعرض الاقتصادات التي ينتقل إليها الأثر عبر “قناة المخاطرة” والتي لها تصنيف ائتماني سيادي ذات درجة مخاطر ائتمانية مرتفعة إلى زيادة إضافية بمقدار 27 نقطة أساس في عائد سنداتها ذات آجال 10 سنوات بسبب هذا التشديد المفاجئ.

 وفى المقابل، نجد أن التغييرات المفاجئة فى مسار السياسة النقدية فى منطقة اليورو أقل تأثيراً على تلك الأسواق. فلا يبدو أن للتغييرات المفاجئة للسياسة النقدية للبنك المركزى الأوروبى أثر على علاوات الأجل، أو على التوقعات بشأن أسعار الفائدة قصيرة الأجل فى المستقبل، أو أسعار الأسهم، أو تدفقات محفظة الأوراق فى ​​الأسواق الناشئة فى المتوسط.

استهدفت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة – من خلال بعض التدابير التي اتخذتها على صعيد السياسة النقدية خلال الجائحة – التأثير على الأوضاع المالية في الأسواق الخارجية، بما في ذلك الأسواق الناشئة. أحد الأمثلة على ذلك هو إعلان الاحتياطي الفيدرالي في 19 مارس 2020 عن إنشاء تسهيلات مؤقتة لخطوط مبادلة الدولار الأمريكي (swap) مع تسعة بنوك مركزية أخرى، منها بنكان من الأسواق الناشئة، هما البرازيل والمكسيك، في حين استمرت فروق أسعار الصرف في الازدياد في الأسواق الناشئة الأخرى. فقد لوحظ ارتفاع قيمة الريال البرازيلي والبيزو المكسيكي، بينما استمر التراجع في قيمة العملات الأخرى على صعيد الأسواق الناشئة. من هنا، يتضح أن الاعلان عن خطوط المبادلة كان له تأثير فعال في استقرار الأوضاع الاقتصادية في تلك الدولتان.

انتقال أثر الأخبار الاقتصادية فى الاقتصادات المتقدمة

ينتقل أثر الأخبار الاقتصادية في الاقتصادات المتقدمة الى الأوضاع المالية في الأسواق الناشئة من خلال قناة التجارة “trade channel” ، حيث تعمل الأخبار الاقتصادية في الاقتصادات المتقدمة على تغيير الظروف الاقتصادية وفرص الاستثمار في الأسواق الناشئة.

• إن الأخبار الجيدة حول النشاط الاقتصادي الأمريكي من شأنها أن ترفع أسعار الفائدة الأمريكية طويلة الأجل على جميع آجال الاستحقاق، كما تعمل على تقليل حالة عدم اليقين العالمي، الذي يتم قياسه بواسطة مؤشر تقلبات بورصة خيارات مجلس شيكاغو (VIX- Chicago Board Options Exchange Volatility Index) ، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع إسمي لـلدولار.

• وعلى الرغم من أن الأخبار الاقتصادية الأمريكية الجيدة تقلل من قيمة عملات الأسواق الناشئة في المتوسط إلا أنها بالتوازي مع انخفاض مؤشر VIX تنخفض علاوة التخلف عن السداد في الأسواق الناشئة على الديون المقومة بالدولار (مؤشر سندات الأسواق الناشئة)، وتتدفق رؤوس أموال المحفظة إلى الأسواق الناشئة.

• كان تأثير الأخبار الإيجابية حول لقاحات كوفيد – 19 إيجابيًا في الاقتصادات المتقدمة.

• وجد أيضاً أن عوائد الولايات المتحدة الاسمية طويلة الأجل ترتفع عندما يأتي معدل التضخم الأمريكي أعلى من المتوقع، ولا يوجد دليل على تأثير معدل التضخم على متوسط ​​أسعار الصرف في الأسواق الناشئة، أو أسعار الأسهم.

محددات ردود أفعال السياسة النقدية فى الأسواق الناشئة

تعد برامج شراء الأصول (APPs) والتخفيض التقليدي لأسعار العائد الأساسية أداتان رئيسيتان للسياسة النقدية في الأسواق الناشئة تم استخدامهما لمواجهة اضطراب الأسواق المالية وتقليل عمق الركود خلال الأشهر الأولى من الوباء.

أطلقت 27 من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية برامج شراء الأصول، وأعلنت الغالبية العظمى من البلدان أن مشترياتها اقتصرت على السندات الحكومية. كما أعلن عدد قليل فقط عن شراء سندات الشركات أو البنوك (البرازيل، تشيلى، المجر، موريشيوس(. ويمكن تقييم فعالية برامج شراء الأصول من خلال النظر في ما إذا كانت عوائد السندات الحكومية قد انخفضت مع إطلاق هذه البرامج.

وبالنسبة لتخفيض أسعار العائد الأساسية، وُجد أن البنوك المركزية فى البلدان التى تتمتع بقدر أكبر من المرونة في أسعار الصرف، وإطار محدد لاستهداف التضخم، وشفافية أكبر للبنك المركزى، وسياسة مالية مستندة على قواعد، قد قامت بتخفيض أسعار الفائدة بصورة أكبر عن غيرها من الدول. وعلى عكس الحال فى برامج شراء الأصول، لا ترتبط التصنيفات الائتمانية السيادية بحجم التخفيضات التى تتم فى أسعار الفائدة.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *