google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik
أخبار عاجلة

القوة الناعمة وعودة الروح للشخصية المصرية(٧)..هل فقدت الإذاعات الموجهة صداها؟

بقلم الكاتب محمد نبيل محمد

ظل الفلاح الفصيح يزرع سبعة آلاف عام، وظن الآخرون أن انحناءه طبيعة شخصيته، ولم يستوعبوا أنه فى عمله يركع لله، يحنو على أرضه يحدثها وتحاوره، لا يقبل بغيره مالكا لها، وإذ به يتحدى الخبراء الروس عندما استعان بهم ناصر لتدريب المجندين على سلاحهم الجديد المضاد للدروع، وبرع الفلاح المقاتل فى استيعاب تكنولوجيا الصاروخ المحمول على الكتف، ويتحول إلى قناص محترف لآليات الحرب المدرعة وينصب كمائن مذبحة الدبابات.

أتذكر الراحل فايز غالى صاحب (الطريق إلى إيلات) الذى أطلعنى على سيناريو فيلم (8 أكتوبر) عن تلك المذبحة التى أحدثها الفلاح المصرى فى تكنولوجيا الغرب المصفحة، كان الراحل يتمنى أن ترى الأجيال الحالية ما فعله آباؤهم ربما يكون حافزا على الحاضر (العاصى)، إلا أن هذا الجيل رأى جائزة أوسكار تتمخطر فى خيلاء إلى (سنايبر) آخر أو القناص الذى جسد فى إبداع فنى بالموسيقى الساحرة والصورة الزائفة لقناص الجيش الأمريكى العتى، وهو يقتنص بكل يسر وسلاسة ووداعة أطفال العرب فى العراق، ومن قبل أفلام القناص الروسى والألمانى (مع الاعتذار للألمانى الذى نعرفه ولانخجل منه!).

وبالمناسبة لم يحدث فى تاريخ الحروب إلا فى أكتوبر فقط ولثلاث مرات أن أدى قائد إسرائيلى التحية العسكرية إلى مقاتل مصرى، وكانت إحداهاعندما اجتمع فى مكتب قائد الفرقة العميد سعد مأمون كل من الأسير الذى لم يطلب بعد شربه الماء سوى أن يرى الجندى الذى أسره، وبالفعل انتفض واقفا، مؤديا تحية عسكرية من فولاذ للرقيب محمد المصرى قناص دبابة قائد اللواء 90 مدرع الإسرائيلى، وكانت المرة الثانية لبطل الصاعقة الشهيد سيد زكريا الذى أوقف تقدم سرية معادية بمفرده، وبعد استشهاده تبين لقائد السرية أن من قتل وأصاب العديد من رجاله هو جندى واحد فقط فاعتدل فى هيئته، وأدى التحية لبسالة الجندى الصعيدى سيد زكريا، كما ذكر هذا القائد فى مذكراته عندما كان دبلوماسيا فى ألمانيا فى نهايات التسعينيات، والتحية الثالثة أداها قائد موقع لسان بورتوفيق عندما نكس علمه وسلم الموقع للقائد المصرى.

ونعود لمعركة الإذاعة المصرية ولمحاولات راديو إسرائيل تكذيب أسر قائد اللواء 90 ولكن ينتبه الإعلامى المقاتل أحمد الحملى ويسارع بطلب إدارة حوار إذاعى عبر الإذاعات الموجهة مع الأسير، وهنا تتوارى الذاتية وحب الظهور على الضيف (مقارنة بالآن)، وتتقدم الوطنية النابهة للإعلامى ويترك ميكروفون الإذاعة للأسير ليتحدث كما يشاء وبتلقائية، يعرف نفسه، ويذكر وحدته، ومهمته، وزملاءه، وعنوانه فى (فلسطين المحتلة) وأسماء جيرانه، وأولادهم، وحكاياته معهم و.. كل تلك المعلومات الدقيقة والتلقائية يتركها المذيع ويتنازل عن دور البطولة ليقاتل نظراءه فى الإذاعة الإسرائيلية عبر الأثير، متخطيا حدود المكان، مقتحما بمهنية آذان سكان تل أبيب، ويقع الخبر يقينا عليهم كالصاعقة المدوية، ويتأكد لهم انتصار المقاتل المصرى على قائدهم، ونصر آخر لإعلامنا عبر الإذاعات الموجهة على أكاذيب راديو إسرائيل التى اتخذت من أساليب جوبلز وزير الدعاية النازى سبيلا للتعتيم على نصر أكتوبر، وانتصرت إذاعة مصر كجيشها واستوعبت درس بيانات 67.

وأتساءل: كيف صنع الإعلام المصرى من الإذاعات الموجهة عنصرا جديدا للقوى الناعمة إقليميا وعالميا؟ والإجابة: كانت الإذاعات المصرية الموجهة تبث أثيرها لإفريقيا بسبع عشرة إذاعة ولآسيا واستراليا والشرق الأوسط بخمس عشرة إذاعة، وتغطى أوروبا بست لغات، كما تصل للأمريكتين بأربع لغات، ولفلسطين المحتلة، ونظرا للتكوين السكانى المتنوع تذاع الإذاعات المصرية الموجهة بأربع لغات (العبرية – الروسية – الفرنسية – الإنجليزية).

لم تكن للإذاعات الموجهة دور فى الحرب فقط، إنما فى معاركنا الدبلوماسية على جميع المحاور الاستراتيجية (بالتعبير العسكرى)، فكانت تساند صانع القرار السياسى وتؤثر فى الشعوب المستهدفة بالتوجه السياسى للدولة المصرية ناحيتها، وتحقق المصالح الاقتصادية للوطن، وتؤيد حركات التحرر للشعوب المحتلة، وتوضح لدول أوروبا مشروعية كفاح شعب فلسطين، وتدعم دول حوض النيل فى إفريقيا تنمويا فى مجالات متنوعة بدءا من الرى وإنشاء السدود والمجارى المائية والزراعة والصحة البشرية والبيطرية وغيرها من خلال مواد إخبارية صادقة وأخرى ترفيهية ودرامية، ولا يفوتنا قدرتها على تقوية الانتماء للمهاجرين المصريين والعرب، إلى أن تراجع الدور تجاه القارة السمراء، الأمر الذى دعم فكرة الإزاحة وملء الفراغ الاستراتيجى من جانب قوى إقليمية ذات أطماع انتقامية تحاول تقليص الدور المحورى لمصر بإفريقيا لأسباب عسكرية ولصراعات مذهبية ولطموحات أممية من جانب، ومن جانب آخر لمكاسب من جراء الاستعمار الاقتصادى لشعوب إفريقيا، ولمن يتشدقون بالعصرية ومواكبة عصر السموات المفتوحة، ولمن يتباكون على عصر الراديو الذى ولى واندثر أمام سطوة الصورة كما يقول رولان بارت فى كتابه (عصر الصورة) لم يكن يتصور الخيال المحلق أو يخطر على بال حالم أن تنتشر فى إفريقيا الإذاعات بكل لغات القوى الإقليمية المختلفة ونعود إلى بداية الصراع الإذاعى فى عام 1932 عندما غزت إيطاليا الحبشة بالإذاعة الموجهة (بارى) بالعربية نكاية فى منافستيها إنجلترا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى ما دعا إنجلترا فى عام 1938 لبث الإذاعة الموجهة بالعربية من هيئة الإذاعة البريطانية للشرق الأوسط، وتلتها إذاعة صوت أمريكا، وكانت تذيع قرابة 776 ساعة أسبوعيا إلى مختلف دول العالم عن طريق 118 محطة إرسال من بينها 460 ساعة لدول أوروبا الشرقية وتقدم برامجها بنحو 35 لغة منها 17 لغة مستخدمة فى الاتحاد السوفيتى السابق، والنتيجة الآن أنه لا وجود للاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية بأكملها بل انهزم حلف وارسو العسكرى إعلاميا دون صدام عسكرى مع الناتو، فهل نعيد الإذاعات الموجهة لساحة القتال؟

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *