google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

القوة الناعمة وعودة الروح للشخصية المصرية الإذاعات الأهلية فيها سم قاتل

بقلم الكاتب محمد نبيل محمد

مع بدايات الإذاعة فى 1906 بالولايات المتحدة، وبعد ذاك التاريخ بسنوات قليلة جدا تناقل الأثير المصري صوت أول إذاعة وكانت أهلية أو خاصة “مصر الجديدة” بثت من القاهرة، وافتتحت فى الإسكندرية إذاعتان أشهرهما “محطة راديو فيولا”، وبعد عامين افتتحت محطة أهلية أخرى هى إذاعة “سابو”، وفى 1932 افتتحت “محطة راديو الأمير فاروق”، تلك المحطات المتناثرة فى الأثير المصرى كان يقوم عليها هواة استخدموها لبث رسائل الغرام ويتخللها الإعلان عن بضائع التجار المشاركين فى تأسيسها، فكثيرا ما كانت تتجاوز الأخلاق العامة. وعلى الرغم من محاولات البدء المتعثرة التى تميل إلى العشوائية فقد حاولت -عبثا- الحكومة المصرية تنظيم تلك المحطات لكن تلك الإذاعات قاومت بشدة، وكانت تتخذ فترات صمت لتضليل المسئولين، ثم تعاود البث من جديد، الهدف فقط هو الربح لأصحاب تلك الإذاعات من التجار الذين استغلوها للترويج لبضائعهم، مثل محطة راديو فؤاد لصاحبها عزيز بولس ومحطة راديو فاروق التى أنشأها إلياس شقال تاجر أجهزة الراديو، وكانت تعتمد على التواصل بالتليفون أو البريد مع مستمعيها لتلبى طلباتهم خلال فترة بث لا تتجاوز الساعتين أو الساعات الأربع، ولضعف الإمكانات الفنية كانت لا تغطى سوى الحى الذى تبث فيه؛ لأنه بطبيعة الحال يديرها واحد من التجار أو عدد محدود من الشركاء الذين يخططون لخسارة منافسيهم من التجار عبر إساءة الترويج لبضاعته وفقط لم يكن هدفا آخر، فضلا عن بذاءة الألفاظ التى كانت ربما تخدش الحياء العام ما اضطر الحكومة لغلقها مرات عديدة دون جدوى نتيجة لتدخل شركة ماركونى ذات النفوذ.
واستمرت الإذاعات الأهلية أو الخاصة فى بثها المتجاوز حتى توقفت عن الإرسال فى 29 مايو 1934 لتترك مكانها للمحطة الحكومية بالتعاون مع شركة ماركونى التى استأثرت بالبث بدءا من الخامسة والنصف مساء 31 مايو 1934 وذاع صوت أحمد سالم بالجملة الأشهر “هنا القاهرة” إلى أن تم تمصير الإذاعة فى 1947 وإلغاء عقد ماركونى، وبدأت ملامح التمصير تدريجيا. ويعود ارتفاع مستوى المضمون البرامجى مقارنة بمرحلة الإذاعات الأهلية إلى عوامل عدة فى مقدمتها : استقلال الإذاعة وتكوين المجلس الأعلى للإذاعة الذى أوكل إليه الإشراف على البرامج وإقرارها، وكان على رأس المجلس الدكتور على إبراهيم الذى له من السمات كبقية قامات جيله من الرواد الذين تولوا مسئوليات العمل الإذاعى فى هذه المرحلة وتميزوا بالثقافة وعمق البصيرة بما يتطلبه عملهم ورسالتهم لوطنهم، حيث قدموا دورا مهما فى رسم ملامح القيم الحقيقية للشخصية المصرية ومنهم طه حسين والعقاد وفكرى أباظة وأحمد أمين وسهير القلماوى وعبدالعزيز البشرى ما أدى إلى الارتقاء بالذوق العام .
وربما كان البيان الأشهر للإذاعة المصرية هو بيان ثورة 52 بصوت الزعيم الراحل أنور السادات صباح 23 يوليو 1952 من ميكروفون الإذاعة الذى ربما أعطى الأهمية الحيوية للإذاعة التى تناقلت تأييد المصريين فرادى وجماعات للثورة التى بدت كأنها سلاح حسم ليس فقط للتأثير على الرأى العام المصرى بل العربى أيضا خاصة أن إذاعات موجهة للمنطقة ذاع صيتها كمونت كارلو، والبى بى سى، وصوت أمريكا، وفطنت الدولة لضرورة الاعتماد على الإذاعات المختلفة، مثل القرآن الكريم وصوت العرب والبرنامج العام والشرق الأوسط والشباب والرياضة، وربما يتخلل تاريخ الإذاعة مواقف تُجبر الداعين لصمتها على احترامها وإعطائها تقديرا مستحقا، كما حدث فى أثناء العدوان الثلاثى على مصر فى 56 عندما قام حسن الشجاعى رئيس الإذاعة بحشد الملحنين والشعراء والمطربين لتقديم أغان حماسية لتعبئة شعب القناة وبالتحديد بورسعيد الباسلة حتى تحقق النصر الذى ولا شك كانت للإذاعة المصرية حضورها كقوى ناعمة دعمت مختلف قوى المقاومة.
كما يذكر أنه فى 15 مايو 67 تم رفع درجات الاستعداد فى الجيش المصرى والسورى والأردنى والعراقى تحسبا لأى عدوان إسرائيلى تجاه سوريا، وبتوجيه من ناصر استدعى أحمد سعيد رئيس محطة صوت العرب فى العاشرة من صباح الخميس 18 مايو كلا من محمود الشريف والموجى والسنباطى وبليغ ومنير مراد وعلى إسماعيل ومحمد سلطان ومكاوى وغيرهم مع مرسى جميل وحمزة والأبنودى وسيد حجاب والحبروك، وبالطبع مع المجموعة، وشادية وفايزة ونجاة وحليم ورشدى وقنديل، وحتى تواصلت الإذاعة مع كل من صباح ووردة وعبد الوهاب وفريد وكانوا خارج مصر وقتها، وأرسلوا أغنياتهم مساندة للجيش العربى حتى قيل إن الإذاعة المصرية انتصرت فى 67 من عظم ما قدمته للشعبين المصرى والعربى.
وكذلك شاركت الإذاعة فى خطة الخداع الاستراتيجى قبل حرب أكتوبر 73 عندما أعلنت رحلات العمرة لقادة الجيش وتسريح أعداد من المجندين لاسيما أن الإذاعة المصرية كان لها تأثير كبير عند الجانب الآخر ومواطنيه من اليهود العرب.
ومنذ تلك الانتصارات للإذاعة المصرية يبدو أن هناك خطة خارجية قد وضعت دون أن يشعر الجميع لإضعاف تلك القوى الناعمة المؤثرة فى الإقليم ككل، وشيئا فشيئا ظهرت بعض إذاعات خاصة شبيهة بالإذاعات الأهلية تبث موضوعات عن الخيانة الزوجية وحريات العرى، وتنشر ألفاظا يندى لها الجبين وتغير عن عمد قاموس اللهجة المصرية الأصيلة التى كانت لغة الشعوب العربية كافة، وتسخر من القيم والثوابت وتطيح بالنموذج والمثل، فضلا عن السخرية والخلاعة غير المعتادة لمذيعى مصر، والضحك بلا أى سبب، والتطاول على الضيوف حتى تحول الضيف إلى مؤثر صوتى خافت أمام حصافة وبلاغة المذيعات والمذيعين الذين يصعب التمييز بينهم، وحدث ولا حرج عن غياب الدراما القيمة والناقلة للأدب العالمى والمصدرة لفنوننا وآدابنا وثقافتنا التى كادت تمحوها تلك الإذاعات الخاصة وكأننا نعود إلى المربع الأول من تاريخ الإذاعة المصرية.
ترى، هل من الممكن منافسة الفورمات العالمية والتوجهات للإذاعة الرقمية؟ أو حتى هل يمكننا الدفاع عن هويتنا وتلك أقل الحقوق؟

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *