google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

الشهيد احمد حامد خليفة كتب فى وصيته :” ما تبكيش على يا امى انا عند ربى” 

بقلم- الكاتب محمد نبيل محمد

استشهد يوم 7 رمضان (حكايات الولاد والارض )

كانت ابيس البلدة الطيب ترابها والاخضر زرعها كطيبة اهلها وكلون قلوبهم الزاهى يحبون ابنهم (احمد) الذى يشترك جميع اهل القرية بأنصبة مختلفة فى حبه, فكل واحد منهم له موقف مع احمد, منهم من ساعده, وآخر اتكىء عليه فى ذهابه الى صلاة الفجر, وثالث اخذ بيده, وأخرى كانت كأمه يحمل عنها أحمالها ذاهبة وآتية, وكلهم ارادوا الوفاء لدين حسن معاملته لهم, وكأنه اتفاق جماعى, لكنه فى داخل كل منهم على حدى ان يُسهم بقدر ما فى زواج هذا الشاب الذى وسع القرية بجمال اخلاقه, لكن شمس القرية مع انتصاف يوم السابع من رمضان ابت الا ان تبكى, فانزوت عن دنيا القرية وكأنها فى خسوف حزين, وكذا بدى الجفاف على أفرع شجيرات القرية الصغيرة حتى كادت ان تفارق هى الأخريات دنيا القرية التى اتشحت بلون داكن لم تعتاده من قبل, ولم يلعب الأطفال مع طيور الريف كما كانوا يحلقون خلفها, بل ارتكن كل طفل فى سكون عجيب, والطير -أيضا – عزفت عن التحليق والتصقت بالأرض, كانت الرياح تأتى بالخير على أهل وزورع القرية, لكنها الان ريح صرصر هزت الجميع حتى من جذوره, وكادت تلك الريح الصفراء الرمادية ان تزلزل القرية التى كانت الأمنة المطمأنة, وتناقلت الريح اخبار متواترة عن انفجار ببئر العبد, وهبت الريح فى أخبارها عبر اسماع اهل هذه القرية عن بعض الاسماء اللذين استشهدوا, أحدهم سمع عنها اسم الشاب الطيب, فمزق صراخه شوارع القرية الضيقة وهو ينادى على شقيق روحه وصديقه الصدوق (أحمد) تلك الشوارع التى فاضت بالبشر من كل فج صوب بيت ابنهم (احمد), واختلط تراب القرية بأهلها حتى صعد كغمامة تمخر عباب سمائها, وخرج الرجل الوالد فى خشوع وسكينة ما بين المستسلم لقضاء الله, وجسده كأعجاز نخل منفعر, لم يحتمل اخبار تكل الريح, وقال للجمع من الناس كنا سنجتمع هنا لزفاف ابنكم (احمد), الليلة سيأتينا هودج يحمله, ومع شروق شمس باكر سنزفه جميعا الى بيت بناه الله له…

 

هو الاخ باسم الذى لم يحتمل ان يحكى عن شقيقه, وما بين الحزن المسيطر والايمان الباطن, بدأ الشاب فى حكيه عن بطل القرية وشهيدها:” احمد من مواليد مواليد سبتمبر ١٩٩٨ ابن قرية أبيس مدخل الاذاعة, مركز كفرالدوار, محافظة البحيرة, والد الشهيد الحاج حامد محمد عبد النبى خليفة, والدته الحاجة مديحه محمد العوضى متولى, واخوته : الأخ الأكبر سامح ٣٥ سنة, وأخته سماح ٣٣ سنة, وانا باسم ٣١ وعلاء وحسام ١٨ سنة ومعاذ ١١ سنة ٢٩ ” وبفخر اهل الريف عندما يتحدثون عن انفسهم منتسبين إلى أحد الاشراف, وهكذا كان باسم يذكر نفسه واهله فى فخر انتسابهم الى الشهيد, وزاد من الشعر بيتا إذ قال:” وعندنا اخونا محمود كان عمره 33 سنة بعد انم انهى خدمته العسكرية بالامن المركزى بسيناء وكان مع احمد لكن احمد كان فى الجيش وفى سيناء هو كمان, لكن محمود توفى نتيجة حادث على الطريق العام بعد تأدية الخدمة العسكرية بشهر واحد, وكان أنهى الخدمة العسكرية قبل الشهيد بشهور قليلة.

الشهيد احمد كان خاطب وفرحه كان باقى عليه 5 شهور, وكان الوالد مجهز له سكنه معاه فى البيت وكان بنى له شقة وبدأ فى تشطيبها وتجهيزها لزفافه على خطيبته بعد ان ينهى جيشه , لكنه قضاء الله وقدره, وكانت البلد كلها بتحب احمد ونفسهم يوفوه حقه عند زواجه لانه كان بيساعد الناس كلها وعلاقته طيبة جدا مع كل واحد فى البلد صغير او كبير , وكلهم كانوا بيحبوه, وفضلت معاه نعمة حب الناس حتى لما راح الجيش كل زمايله كانوا بيحبوه ويقضلوه عاةنفسهم, وواحد منهم حكى لى قبل استشهاد احمد بليلة واحدة كان بيجهز السحور لزمايله وقال لهم: ادعوا لى انى انولها , وكان دايما يحكى عن التكفيرين انهم مش مصريين وان شكلهم من جنسيات غير مصرية , وكان بيقول لولده دايما: الرجولة يا با, اننا نطهر سينا من الارهابيين ولو ح نستشهد كلنا .

الشهيد حاصل على دبلوم فنى صناعى من مدرسة كفر الدوار الصناعية الميكانيكية وكان اتم دراسته بمدرسة ابيس الخامسة الابتدائية , وبعدها الاعدادية من مدرسة ابيس الخامسة الاعدادية التى سميت بعداستشهاده باسمه ( مدرسة الشهيد مجند مقاتل البطل / احمد حامد محمد عبد النبى خليفة), وكان قد التحق بالخدمة العسكرية بتاريخ شهريوليو ٢٠١٨ وكان المفروض ينهى خدمته بالجيش فى شهر سبتمبر 2022 وكان والده مجهز له شقة زواجه معاه فى البيت, احمد كان انسان بمعنى الكلمة , العيبة ما تخرجش من لسانه, وما كانش بيشرب حتى سيجارة ولا يرضى يزعل والده منه, وكان بار بوالديه ومحب لاخوته, وكلنا كنا عارفين انه احسن واحد فينا, ربنا سبحان الله اختار لسيناء وللشهادة افضل من فينا.

يوم 30 ابريل 2022بالتحديد يوم 7 رمضان , ام الشهيد حست باحساس غريبجدا وكان قلبها مقبوض, وكانت بتسأل اخوات الشهيد :” هو احمد ما اتصلش يا ولاد؟ , وتعود وتسألنا:” هو احمد ما قالش جاى امتى من سيناء؟, وما حدش فينا عارف حاجة , ولا عارفين ليه هى بتسأل على احمد كتير كدة, لكنكان فى حركة برة البيت , ناس تيجى وتمشى ما ترضاش تستنى , وما عرفناش هما جايين ليه, وكأنهمعرفوا بخبر الاستشهاد, بس ما حدش منهم عايز يقولنا, وكانوا عايزين يعرفوا احنا كمان عرفنا والا لاء, ومع سؤالام الشهيد المتكرر عن ابنها احمد ومع حالة البلد الغريبة ديه, اتصلنا بتلفون احمد لكنه ما ردش على اى واحد مننا, ولما زاد القلق عليه , ومع اخبار فى التلفزيون عن انفجارات فى بئر العبد اللى بيخدم فيها احمد اخونا, اتصلنا على تليفون صاحبه, اللى فى الاول قال :” مافيش حاجة ما تقلقوش, وبعد كدة من شدة الالحاح فى السئوال عن احمد قال:” احمد صاحبى شهيد همدربه, ونزل الخبر علينا زى الصاعقة, وماحدش فينا قدر يبلغ والده ووالدته اللى قلبها ملهوف عليه من الصبح, وفى النهاية جمعنا شجاعتنا وقلنا لوالدة احمد ان ابنها عند ربه شهيد باذن الله, والست المؤمنة فضلت تبكى وهى بتقول انا لله وانا اليه راجعون, ووالدى خرج من اوضته وفضل يقول : وبشر الصابرين, وبشر الصابرين, لا حول ولا قوة الابالله, واتملى البيت علينا من ناسنا واهل القرية وكلهم بيسالوا حنعمل ايه, وما كناش عارفين ايه اللى حا يحصل بعد كدة, لكن جه تليفون من الجيش وبلغونا نستلم الجثمان من مستشفى بور سعيد اللى بعتوه عليها احمد اخونا بالطيارة مع زمايله اللى استشهدوا, وفعلا وصل جثمان اخونا ملفوف فى العلم, وكان نفسى انا وابويا واخواتى نشوفه بس اللى كانوا معاه قالوا:” احمد وشه منور وبيضحك, وجسمه زى الفل زى ما يكون لسه عايش, وقلنا الكلام ده لوالدته علشان تطمن على ابنها , والبلد كلها وكل القرى المجاورة وكل المركز خرج يشيع جنازة الشهيد احمد فى جنازة عسكرية جضرها ناس كتير من الجيش مع اهل الشهيد وجيرانه وكل ناس مركز كفر الدوار.

وقال لى واحد من زمايل الشهيد جه يعزى مع زمايل كتيبته ومن كتايب تانية :” احمد كان بيجهز السحور اول امبارح لزمايله, وكان متواضع جدا, ومحب لينا كلنا, وقال فى الليلة ديه قبل ما يصلى الفجر :” انا نفسى اخد رتبة شهيد, عارفين ليه؟ ورد هو على نفسه, وقال : لانها اعلى رتبة عند الله.

وقال واحد تانى:” احمد كان متصور مع الشهيد البطل العقيد مصطفى عبيدو مع مجند زميله اسمه احمد , وبعد ما استشهد البطل العقيد مصطفى عبيدو, حلف واقسم انه مش عايز يرجع الا لما يجيب حق الشهيد, وبالفعل ما رجعش الا ملفوف فى علم هو وزميله الشهيد البطل المجند احمد اللى كان معاه فى الصورة ومعاه فى واقعة الاستشهاد.

وحكى واحد من الضباط كان موجود مع ضباط كتير فى جنازة الشهيد:” يوم الاستشهاد كان ٣٠/٤/٢٠٢٠ الموافق ٧ من رمضان فى سيناء بمنطقة بئر العبد

عند اشتراك الشهيد مع قائده وزميل له فى توزيع وجبة الإفطار على الرجالة فى الكماين, وقبل أذان المغرب بساعات قليلة تم تفجير المدرعة بعبوة ناسفة وضعت لهم فى طريق السير للكمائن, واستشهد ومعه ظابط وصف ظابط و٨ جنود اخرين عليهم رحمة الله جميعاً.

كان الشهيد علاقته حسنة بالزملاء والجيران, وكل من تعامل معه, أو تكلم معه, كان يحبه ويحب فيه الابتسامه التى كانت لا تفارق وجهه حتى في كل صوره أجمل ابتسامه وكان أحن أخ بين اخوتى حتى مع الوالدين كان الابر بهما, ,كانت أقصى طموحاته هى الموت والاستشهاد في سبيل الله, وان يأتي بحق كل شهيد من قادته وزملائه الذين استشهدوا قبله, وان ينهى جيشه, ويتم زواجه مثل كل شاب, لو كتب ربنا له الحياة لكن زى ما كان بيقول :” بعد ما نطهر سينا من التكفيريين الانجاس. وكان دايماً يقول نفسى اروح سيناء أرض الابطال, وخدمته فى بداية جيشه كانت فى القنطرة شرق وانتقل لمدينة بئر العبد مع زمايله لمحاربة الارهابيين وتطهير سيناء منهم, وكان حاسس انه ها يستشهد فى سيناء, وكان بيدعى ربنا انه ينول الشهادة, وكنا كلنا لما نسمع منه الكلام ده نزعل منه, ووالده يقول له:” يا بنى , لسه فلبى واجعنى على اخوك , ما توجعنيش انت كمان, وكان بقو لوالده:” يا با ده شرف ان ابنك يكون شهيد, على فكرة الشهادة ديه معناه ان ابنك راجل , مش عايز تشوفنى راجل!.

ولما جاب الضابط حاجة الشهيد كان فيها وصيته وكتب فيها:” انا نفسى استشهد فى سيناء زى الابطال, واجيب حق الرجالة, وعايز منك يا امى ما تزعليش, وما تبكيش, انا ح اكون فى مكان احسن من الدنيا كلها, كل اللى عايزه منك انت وابويا واخواتى تدعوا لى فى صلاتكم ان ربنا يقبلنى شهيد, وكمان اعملوا تلاجة ميه على روحى لله على ناصية البلد علشان الناس تشرب منها وتدعى لى ولكل الشهداء”.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *