google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

زوجة الشهيد احمد عسكر:”استشهد البطل امام اولاده وعلى عتبات المنزل بسيناء” حكايات الولاد والأرض

بقلم- الكاتب محمد نبيل محمد :

فى الخامس من شهر الله الحرام, ذى الحجة, وامام منزلنا الذى شهد أول فرحة وهبنى الله اياها بإقتران اسمى باسمه, وميلاد غرسنا الذى زرعناه فى سيناء التى عشقها هو وعلمنى كيف يكون العشق للأرض, ومع نهايات ايام العيد الكبير الذى ظلنى طيلة عشرين عاما ولم يرحل هلال هذا العيد الأكبر طوال العقدين, ومع انتحار الشمس ناحية الغرب المميت, حلقت غربانا لم تعتاد سماء سيناء, وفردت اجنحتها السوداء لتخفى ما تبقى من حياة الشمس, وتنقث بنعيقها اصداء الحقد الذى يأبى الا يطول مُقام العيد فى أزمنة تالية, وتلتهم نيرانها ضوء الشمس فى وسط السماء ليموت هو الآخر قبل آوانه, هى الغربان النعّاقة تختلط فى رسمها الزائف بضباع باتت تكتم عوائها المنكر, لتتجمع من شتات الأرض كجرذان تقفز مهرولة من جحورها مسابقة الزمن فى خسة, وفى خلسة تغافل الليث الجسور, وعن بعد لا تقوى على مواجهته كما الفرسان الشجعان بل من ناحية الظلام تطلق جم حقدها الاسود, وهى لا تدرى انها بشنيع صنعها تهدى الحلم للبطل الذى بات ليالى العيد الأكبر يناجى ربه فى عليائه ان يقبله عنده ممن تسيل دمائهم على ثرى مسرى الانبياء وخاتمهم صلى الله عليه وسلم وبارك, وتتخضب الارض بحمرة الورد وعبيره الفواح, ويبتسم البطل مطلقا بصره الى اعلى – كما تمنى وأخلص- يناجى مولاه الذى صدقه وعده, وكانت الطلقات التى دوت كآذان العصر لتدعوا من احبهم واحبوه ليشهدوا معنى حى على الفلاح, وقد افلح البطل, وبالقرب فى الأعلى عند هذه النافذة التى اعتادت اطفالنا ان تستقبل قدوم والدهم, كانت الابنة الصغرى تبتسم وتلوح بيمينها وتتدلل مع ضفيرتيها فرحة تطنطن باسم والدها, ويروح خاطرها ويجىء لتلتقط منه حاجاتها التى ستدسها فى قائمة مطالبها اليومية من هذا الاب الذى لم يقل لها لا, ويهلل الابن الاصغر فى التلويح بيده فى الهواء فى اشارة ضمنية يدركها والده بأنه يريد ملىء يده بالحلوى, وهو يشير اليهما بالتمهل حتى يصعد اليهما, ويخشى عليهما من اندفاعهما بفرحة مجيئة, وتتحجر اعين الاطفال البريئة إذ ترى عينا والدهما مضطربة, هائجة, خائفة عليهما مما حال اليه حاله, فى هنيهة مكثفة المشاعر ما بين الخوف على الصغار من هول الصدمة, وما بين القلق عليهم مما هو آت, وقد قُرّت حامدة, ساجدة لربها الذى اتاها ما ارادت, والزوجة تفزعها صرخات الأطفال فتأخذ المسافات كالريح المرسلة وتجد نفسها تحمل رأسه كما كان يفعل دائما عندما تتكالب عليها الاحمال على صدرها الذى وسع العمر والقدر, وينظران فى حديث كما بدآه هما الاثنين من عقدين من عمر سيناء امام عتبات هذا البيت, وكانا قد تعاهدا على امور عدة فى وجد صامت, والآن يتحدثان فى صمت صاخب وهى تؤنبه عند تكرارها عليه بالرحيل من سيناء , وتعاتبه على فراقه لها وهو من تعهد بالبقاء طول العمر امام هذه العتبات, الشاهدة, وهو يُهدىء من روعها, ويحدثها بأحاديث الإيمان التى تجاذباها سرا عندما كانت تمسك به وهو يتغزل – ليلا- فى سيناء, ويتضرع لربه طالبا ان تحتضنه فى ثراها, وفى عفوية تمد اناملها لتتخلل منبت شعره, ولتزيح عنه عناء اليوم وكده, ولكنها تتفاجأ هذه المرة بأنها تتحسس عرقا لا كالذى تعرفه, وان كانت تطرده من احلامها – كثيرا – , لا لم يكن ماء العرق والكد, انما الان هو ماء الحياة والراحة الذى يتفلت بين اصابعها وهى لا تقوى على الامساك به, انها تفقد كل قوة كانت بها لتقبض على ما تبقى من حياتها التى تتسلل امام اعينها ولا تملك الا ان تقول له صدقت وصدقك الله, احببت وأحبتك سيناء…

فى فخر تستحقه تبدأ البطلة زوجة الشهيد حكاية البطل:” أنا نجلاء محمد رضوان بنت سيناء وشريكة الشهيد اللواء أحمد عسكر… الشهيد اللواء أحمد محمد عبدالستار عسكر مدير إدارة الاحوال المدنية بمحافظة شمال سيناء, وهو من أبناء محافظة المنوفية مركز شبين الكوم, وكان والديه يعملان بالتربية والتعليم, وله اربع اخوة ولدين وبنتين, درس مراحل تعليمه فى شبين الكوم حتى حصل على الثانوية العامة, والتحق بكلية الشرطة وكان من المتفوقين داخل الكلية, ولذلك بعد تخرجه قامت الوزارة بتخيير الاوائل للعمل فى الاماكن الذين يرغبوا الخدمة بها, واختار الشهيد أحمد عسكر العمل فى محافظة شمال سيناء حيث انه كان من اوائل الكلية, وكانت ترتيبه السابع عشر, وعندما علما والديه بإختياره محافظة شمال سيناء اعترضوا لبعد المسافة ولرغبتهم فى وجود ابنهم بجانبهم, ولكن قام بإقناعهم بالعمل فى محافظة شمال سيناء بجملة كان طيلة حياته يرددها حتى لى انا واولاده :”أنا حاسس أن كل حاجة جميلة وحلوة ح تحصلى هنا فى سيناء” … ولانه صدق وعده مع ربه فى الاخلاص باجتهاده عمله وحسن آداءه ليبقى فى سيناء عمرهكله ,الذى تمنى مع بدايات خطواتنا فى سيناء ان تنتهى حياته هنا فى تراب سيناء التى احبها واحب اهلها, فكان اول مراحل عمله الشرطى بسيناء كمعاون مباحث قسم رفح فى الثامن من نوفمبر ١٩٩١ وكان يحب أهل مدينة رفح جدا, وكان السكن الخاص به فى مدينة العريش, والعمل كان فى مدينة رفح, وفى ذلك الاثناء كان البطل صديق لاخى, وفى تلك الفترة طلب يدى من أخى تمهيدا لطلبى من والدى, وسبحانك يا الله, من هنا وبدأت الاحداث تتوالى على بكل شىء جميل فى محافظة شمال سيناء, وقبل الزواج كنا نقيم فى القاهرة ولكن قرر والدى العودة الى موطننا محافظة شمال سيناء, وكان قرار والدى سبب سعادتى, حيث تمت خطبتنا فى الرابع عشر من فبراير ١٩٩٢وفى ذلك الوقت كنت طالبة فى كلية التربية, وطلب الشهيد من والدى ان نتزوج, وعاهد والدى على انه سيساعدنى على اكمال تعليمى, وفعلا صدق الوعد حتى وصلت لتمهيدى الماجستير, وتم زواجنا فى نفس العام التى تمت فيه خطبتنا, وكان نعم الزوج والحبيب منذ لحظة معرفتى به وذلك حتى أخر لحظة له معى, وكان واضح لكل من حولنا اننى فى نعمة من الله مع هذا الزوج الكريم العشرة, وفى تلك الاثناء كان يعمل معاون مباحث قسم نخل مع الخامس من مايو ١٩٩٢ وكان دائما ما يقول:” انا بحب سيناء جدا ونفسي اخدم اهل كل منطقة فيها”, و فى هذه الفترة رزقنا بابنتنا الكبيرة روان وكانت فرحته كبيرة ولا توصف, وقال يوم ولادتها:” أجمل حاجه ان بنتى اتولدت هنا فى العريش”, وبعد ذلك عُين رئيس مباحث قسم رفح فى الخامس من ابريل ١٩٩٤ ثم وظيفة رئيس مباحث قسم رمانة فى السادس من اغسطس ١٩٩٤ وفى عام ١٩٩٥ رزقنا بالمولدة الثانية رؤى, وكنت قلقة لكوننا رزقنا ببنتين وعندما تحدثت معه فى ذلك الموضوع قال لى:” أنا راضى وفرحان بكل اللى ربنا يرزقنى بيه حتى لو جبت ١٠ بنات” وفعلًا كان ونعم الزوج والحبيب, وبعد ان عمل فى رفح ونخل ورمانة, عاد الى العريش ليعمل بمكافحة جرائم الأموال العامة فى العاشر من اغسطس ١٩٩٦ ثم شغل وظيفة رئيس قسم المعلومات الجنائية فى الثامن عشر من نوقمبر ١٩٩٦ ثم بعد ذلك عمل بمنصب ضابط بمركز الرئاسة فى العاشر من اغسطس ١٩٩٩ وفى ذلك التوقيت رزقنا بابننا محمد الذى اكمل مشوار والده فيما بعد والتحق بكلية الشرطة وتخرج وهو الان برتبة الملازم أول , ثم شغل زوجى وظيفة ضابط بإدارة المرور فى الثالث من فبراير ٢٠٠٠ وتم تكريمه بمنحه شهادة التميز فى عيد الشرطة عام ٢٠٠١ ثم عمل كرئيس وحدات المرور فى الثانى والعشرين من ابريل ٢٠٠٢ ثم رئيس قسم شئون الضباط بمركز الرئاسة فى السادس من اغسطس ٢٠٠٢ وأثناء عمله فى ذلك التوقيت أيضًا تم ترشيحه واختياره للمشاركة والعمل ضمن قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة والسفر لكسوڤو لمدة عام من ٢٠٠٢ حتى ٢٠٠٣ وبعد اتمام المهمة تم تخييره للعمل فى اى مكان داخل الجمهورية ووقتها طالب بالعودة للعمل فى محافظة شمال سيناء مرة أخرى لعشقه لتراب سيناء, وبالفعل عاد الى محافظة شمال سيناء, وشغل رئيس حرس الجامعة بتاريخ الخامس من اغسطس ٢٠٠٦ وفى ذلك الوقت رزقنا بابننا بشار, ثم نقل فى 2007 لقطاع الأحوال المدنية لمدة عام, ثم نائب مدير بإدارة الأحوال المدنية بشمال سيناء فى الخامس من سبتمبر ٢٠٠٩ وفى ذلك التوقيت رزقنا با بننا يوسف, وفى الخامس والعشرين من اغسطس 2012 شغل منصب مدير إدارة الأحوال المدنية بشمال سيناء, وباستمرار عمله بشمال سيناء استطاع ان يقدم خدمات كثيرة لاهل سيناء الذى احبهم واحبوه وحقق ما كان يريد ان يفعله لاهل سيناء, فقد كان على علاقات طيبة بأهل هذه المحافظة حيث انهم حزنوا حزنًا شديدًا على اغتياله.

وخلال الاحداث الدامية التى مرت بها سيناء لم يتقدم بطلب العمل فى اية محافظة أخرى, وكان يردد لى:” … لو ارد اى انسان لى شر او خططت الجماعة الارهابية على ان يضرونى بشئ فهذا سوف يكون قدر الله وإرادته سبحانه وتعالى”, وكان دائما يقول لابنى محمد:” … الجبان بيموت مائة مرة ومرة, إنما الشجاع بيموت مرة واحدة”.

وكان رحمة الله عليه دائمآ يتمنى الشهادة, وعندما كان يطلب فى دعاءه بالشهادة امامى كنت ابكى من شدة خوفى عليه ومن قسوة ما اراه يحدث فى سيناء لرجال الشرطة والجيش, واقول:” متوجعش قلبي بالكلام ده, أنا محتاجه ليك, أنا واولادك, هتسيبنا لمين؟!”, وكان يقول:” وهو حد يطول الشهادة, تفتكرى ان ممكن ربنا يقبل منى؟ متخافيش الشهادة دية مش لأى حد يا نجلاء” وكنت اغير الكلام معاه عن الموضوع ده, لكن بمجرد ما كان يسمع عن شهيد اسمعه يبكى مه نقسه ويدعوا الله بالشهادة ويقول عن الشهيد:” يا بختك عقبالى يارب ” وارجع ابكى من علمى اليقين بصدق دعاءه ويشتدد جزعى عليه.

وتحكى السيدة البطلة:” من بداية الأحداث المؤلمة قلبي كان موجوع عليه, وكنت خايفه جدا, كان أثناء الأحداث ينزل البلد, ويمشى بكل جراءة, وكان مطمأن ان مش ح يحصل له الا اللى ربنا كاتبه ليه, وكنا ننزل معاه, ولما كنت ابين ليه انى خايفة, كان يطمنى أنا والاولاد, ولما اشتدت الأحداث طلبت منه اننا نمشى من شمال سيناء خوفًا عليه, وقتها طلب منى انى ما اتكلمش فى الموضوع ده تانى لانه مش هايمشى من سيناء غير لما الامن والامان يرجع للبلد من تانى, فكان علشان يطمنى يقولى: متخفيش, والله العظيم لما كنا بنبقى مسافرين ونرجع العريش اول ما نعدى قناة السويس كان يقولى: بحس انى روحى ردت لى اول ما بدخل سيناء”

وتتنهد السيدة وتطلق للفضاء زفيرا بعيد علها تجد الراحة فى خروج نار الحزن من صدرها الممتلىء والمفعم بعبير حبيبها ابن سيناء, وتقول بثبات المرأة السيناوية وشموخها الذى لا تكسره الاقدار, والتى هى تعلمت الايمان بها من نصح حبيبها الاوحد وتقول :” فى يوم السبت التاسع عشر من سبتمبر ٢٠١٥ الخامس من شهر ذو الحجة أحمد روى ارض سيناء بدمه الطاهر, الشهيد أحمد تم اغتياله – هنا – أمام بنته روان وابنه يوسف, أمام منزلنا, كان منتظره ملثمين من كلاب اهل النار ظهروا من الخفاء وفتحوا نيران بنادقهم الالى واغتالوه امام اولاده وامام منزله, وبمجرد سماع ضرب النار اولادى كلهم نظروا من الشباك ليتفاجئوا بأن والدهم على الارض ملقى وتسيل منه الدماء بغزارة من شدة وكثرة الطلقات التى اطلقها الارهابيون على الشهيد البطل, وامام هذا المشهد الذى لم نستطع تحمله, وكانت أقسى واصعب لحظات عمرنا عندما نزلت اليه لاضمه الى حضنى, ورأيت أحمد يبتسم ابتسامة تحقيق امنيته, رحم الله انسانا كان هو كل الحياة لى ولابناءه, وكانت سيناء هى كل حياته, والشهادة هى دعوته الوحيدة لربه”.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *