google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

تاريخ الحروب الصليبية

 

كتب محمود سعيد

اتجه سلجوق شاه بجيشه لحرب أخمسعود بينما اتجه الخليفة العباسي لحرب عماد الدين زنكى !

 

وكان الصدام الأول هو الصدام بين الخليفة بجيش بغداد مع عماد زنكى بجيش الموصل فماذا تم ؟

من الواضح أن عماد الدين زنكي لن يقاتل بحميته المعروفة، ولا بحماسته المعهودة، فحدث أمر كانمتوقَّعا ، وهو أنه انهزم من جيوش الخليفة! ونقول: إن هذا شيء متوقَّع؛

 

لأن الخليفة يقاتل بكـلِّ طاقته، وبجيش بغداد الذي يصل إلى ثلاثين ألف مقاتل، بينما كان يتحرج عماد الدين زنكي من مثل هذا القتال، وكل ما تخيله أنه سيذهب بقوة رمزية إلى بغداد يكون هدفها فقط أن تعلن أن الموصـل وبلاد الشام تقف إلى جوار الملك مسعود، غير أن الصدام حدث، وكان الخليفة جادا تماما في حربه،

 

ولعلَّه كانت تراوده أحلام الفكاك النهائي من السيطرة السلجوقية على العراق .

 

وهزم عماد الدين زنكي وجيشه، وتفرق الجيش هنا وهناك، وهرب عماد الدين زنكـي في اتجاه الشمال، ووصل إلى مدينة تكريت، وهي في المنتصف بين بغداد والموصل،

 

وكانت وراءه فرقة من الجيش العباسي تطارده، وكان من الممكن أن تكون أزمةً كبيرة، خاصة أن نهر دجلة كان يعوقه عن العبور للناحية الغربية ليصل إلى مدينة الموصل، لولا أن أمير قلعة تكريت عرف عماد الدين زنكي فأسرع بمد المعابر على دجلة، وأنقذه من الجيش العباس

 

بل واستضافه في قلعته عدة أيام أصلح فيها شأنه، وطمأن قلبه؛ لأنه كان يشعر أن هذا الرجل هو أمل المسلمين، وهو الذي يحمل راية الجهـاد ضد الصليبيين، كل هذا مع أنَّ مدينة تكريت تابعة للخليفة العباسي، وليس لأحد آخر، مما يعـني أن هذا الرجل يخاطر بمنصبه في سبيل حماية عماد الدين زنكي .

 

بقي أن نعرف أن هذا الرجل هو نجم الدين أيوب بن شاذي، وهو والـد صـلاح الـدين الأيوبي، ولم يكن صلاح الدين قد ولد بعد في هذه الفترة،

 

ولكن كانت هذه الحادثة سببا في التعارف والتآلف بين نجم الدين أيوب وعماد الدين زنكي؛ مما مهد لأن يربى صلاح الدين الأيوبي بعد ذلك في كنف أولاد عماد الدين زنكي، وأهمّهم بالطبع هو نور الدين محمود.

 

فانظر إلى عجيب تدبير رب العالمين، ولو لم يكن هناك من فوائد لهذه الفتنة التي حدثت إلاَّ هذا التعارف لكفى به، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وعسى أَنْ تكرهوا شيئا وهو خير لكم )

 

وصلت أخبار هزيمة عماد الدين زنكي إلى الملك مسعود،

 

وكـان حينـها في مناوشـات عسكرية مع أخيه سلجوقشاه، فعلم أن الحلَّ العسكري لن يجدي، خاصةً أن جيوش السلطان سنجر بدأت تقترب من بغداد، هنا اتفق الملك مسعود وأخوه الملك سلجوقشاه على الصلح، وتراسلا مـع الخليفة ليعرضا عليه رأيا !

 

وكان الرأي هو أن يعطى العراق للخليفة يحكمه عن طريق وكيل له يختاره، وتعطى السلطنة لمسعود، وتعطى ولاية العهد لسلجوقشاه، بمعنى أنه عند وفاة الملك مسعود يتولَّى سلجوقشاه، وليس أحد من أبناء السلطان مسعود.

ووجد الخليفة أن هذا الحلَّ أفضل من سيطرة السلطان سنجر، وعلى ذلك وافق على هـذا الرأي، وقُطعت خطبة السلطان سنجر من العراق، وصارت إلى السلطان مسعود !

 

واقترب السلطان سنجر أكثر وأكثر من بغداد، وهنا اضطر السلطان مسعود وأخوه الملـك سلجوقشاه أن يجتمعا على حرب عمهما السلطان سنجر، مع العلم أن أخاهمـا طغـرل في جـيش السلطان سنجر!

 

وكانت موقعةً عجيبة، تقاتلت فيها أعداد هائلة؛ حيث وصلت جيوش السلطان سنجر إلى مائة ألف فارس أو يزيد، وكانت الغلبة فيها بوضوح للسلطان سنجر، الذي استدعى الملك مسعود بعد هزيمته،

 

فلما رآه قبله وأكرمه، وعاتبه على عصيانه، ثم أعاده إلى كنجة في بلاد فارس، ووضع ابن أخيه طغرل في كرسي السلطنة، دون اعتبار بالطبع لرأي الخليفة، الذي اضطر أن يعطيه السلطنة وهو كاره.

 

وهكذا صار سلطان العراق وفارس هو السلطان طغرل، وذلك تحت رعاية السلطان سنجر!

 

وكانت هذه الوقعة العسكرية في 8 من رجب سنة 526هـ\ 1132م.

 

فهل هدأت الأحداث بهذه الزعامة الجديدة للسلطان طغرل؟!

 

أبدا، إن الفتنة لم تقف! فقلوب الجميع تغلي بالمشاكل، وكلُّ واحد من هؤلاء تشغله هموم شتى، والأفكار تتزاحم في عقله،

 

وتعالَوا نأخذ استراحة سريعة بعد هذه الصدامات؛ لنرى الوضع في أخريات هذه السنة، خاصة أن هناك أحداثًا مهمة عاصرت هذه الفتنة لا بد من التعليـق عليهـا،

 

فلنرقب معا هذه الملحوظات العشر:

 

أولاً :

السلطان سنجر عاد إلى بلاده مسرعا بعد وضع الملك طغرل في السلطة لأن بـلاد السلطان سنجر بعيدة، وهي خراسان وبلاد ما وراء النهر، أي في وسط آسيا، وترك السلطان لبلاده

فترة طويلة قد يغري بعض الطموحين بالثورة عليه .

 

ثانيا :

الملك طغرل الآن يستمتع بكرسي السلطنة، لكن قوته بمفرده دون عمه، لا شك أنهـا ضعيفة ، فهذا قد يؤثِّر في موقفه وقد يغري إخوانه بالانقلاب عليه !

 

ثالثًا :

الملك مسعود خسر في معركة ضد السلطان سنجر، لكنه لم يخسر جيشه، فالسـلطان سنجر كان رحيما به؛ فأعاده وما يملك من جيوش إلى فارس. ولا شك أن رغبته في السـلطنة لـن تنقطع، خاصة أنه كان أكبر من أخيه السلطان طغرل، ولا يجد معنى لإعطائه السلطنة دونه.

 

رابعا :

الملك داود الذي كان سلطانا وخلع، لا بد أنه سيفكر في مصيره؛ فهو ابن السلطان محمود الراحل، وقد استخلفه أبوه لكن أعمامه وجده صرفوا السلطنة عنه، فهل سيهدأ، أم سيناضل من أجل الكرسي المسلوب؟!

 

خامسا :

الخليفة المسترشد يغلي غيظًا؛ فالسلطان الآن هو طغرل بن محمد على غير رغبتـه، ولا شك أنه سيتحين الفرصة للخلاص من سيطرة هذا السلطان الجديد.

 

سادسا :

عماد الدين زنكي يتحسر على ما آلت إليه الأحداث؛ لقد مر الصليبيون بظـروف صعبة جدا وقلاقلَ، وسيمرون بظروف أخرى أكثر صعوبة، وكانت الفرصة مواتية لهجوم شـامل عليهم، لولا الفتنة التي بدأت، ولا يبدو لها من نهاية في القريب العاجل.

 

سابعا :

في 21 من شهر رجب سنة 526هـ – أي في نفس الشهر الـذي وضـع فيـه السلطان طغرل في منصبه – توفِّي بوري بن طغتكين أمير دمشق، وخلفه ابنه إسماعيل بـن بـوري الملقَّب بشمس الملوك،

 

وكان رجلاً فاسدا ظالمًا، شديد الظلم، ارتكب في حياته من القبائح والمنكرات ما أنكره عليه الجميع، وصار يقاتل كل مراكز القوى في بلده؛ حتى أوقع الرهبة في قلوب كل الناس، وكانت فتنة عظيمة على أهل دمشق !

 

ثامنا :

حدثت فتنة بين شمس الملوك إسماعيل بن بوري حاكم دمشق وأخيه شمس الدولة محمد بن بوري أمير بعلبك، وصار بينهما قتال كبير، انتهى باستيلاء شمس الملوك إسماعيل علـى حصـنين مهمين في شمال دمشق،

بينما أقر أخاه شمس الدولة محمد على حكم بعلبك، وكانت هـذه الفتنـة فرصة لتدخل عماد الدين زنكي ليضم دمشق إلى حكمه، لولا الفتنة الأشد التي كانـت تـدور في العراق.

 

تاسعا :

تأزم الموقف أكثر في أنطاكية

لقد قامت الأميرة المتمردة أليس بنت الملك الراحل بلدوين الثاني بمؤامرة للسيطرة على الحكم في أنطاكية؛

 

حيث قامت بالاتفاق مع ثلاثة أمراء صليبيين على مساعدتها في الوصول إلى الحكـم في أنطاكية مستغلَّة حداثة خبرة الملك فولك الأنجوي بالشرق الإسلامي، ولم تكن خطورة المؤامرة فقط الخروج عن طوع الملك فولك وتسيير الإمارة وفق أهواء امرأة غير ناضجة كأليس ،

 

ولكن كانت خطورتها في أسماء الأمراء الثلاثة الذين وافقوا على مؤامرة أليس؛ فهم: جوسلين الثاني أمير الرهـا ، وبونز بن برترام أمير طرابلس، إضافةً إلى وليم وهو أمير أحد حصون اللاذقيـة التـابع إلى إمـارة أنطاكية، وهو حصن صهيون.

 

ووجه الخطورة أن هذه المؤامرة ستؤدي إلى انشقاق كبير في الصـف الصليبي؛ حيث تتعاون الإمارات الثلاث في قضية ضد المملكة الرئيسية، وهي مملكة بيت المقدس.

 

ولقد شعر بعض فرسان أنطاكية بالمؤامرة، وراسلوا الملك فولك الأنجوي

الذي جاء مسرعا على رأس جيشه ليحبط مؤامرة الأميرة المتهورة،

 

إلاَّ أن بونز أمير طرابلس اعترض طريقه في لبنـان ، ومنعه من إكمال المسيرة،

فحدث قتال بين جيش بيت المقدس وجيش طرابلس،

 

وهي المرة الأولى منذ نزول الجيوش الصليبية في أرض الشام وفلسطين التي يحدث فيها قتال بينهم،

 

واضطرب الوضع جدا، وانسحب الملك فولك من أرض المعركة، ولكنه استطاع الوصول إلى أنطاكية عن طريق البحر من ميناء بيروت، ودخلها بالفعل، وأحبط المؤامرة،

 

لكن بونز أسرع إلى أنطاكية ليحاول تثبيت دعـائم الأميرة أليس

، إلاَّ أنه حدث قتال كبير بينه وبين الملك فولك انتهى بهزيمة كبيرة لأمـير طـرابلس ، واستقرار الأوضاع في أنطاكية لصالح الملك فولك الذي وضع على أنطاكية أميرا من طرفه هو رينو ماسوير Renaud Masoiur .

 

لقد كانت أزمةً كبيرة كان من الممكن أن تستغلَّ لصالح المسلمين، لولا أن المسلمين كانوا منشغلين بفتنتهم

 

عاشرا:

لم تكن هذه هي الأزمة الوحيدة التي مر بها الصليبيون،

 

بل كانت هناك أزمة أخرى لعلَّها أشد، حيث حدث تصادم عسكري داخلي في مملكة بيت المقدس بين الملك فولـك الأنجـوي والأمير هيو الثاني أمير يافا.

 

وسبب الصدام هو اكتشاف الملك فولك الأنجوي أن زوجتـه الملكـة ميلزاند بنت الملك بلدوين الثاني كانت تخونه مع الأمير الشاب هيو الثاني ! وكانت نتيجـة الصـدام بالطبع هو أسر الملك هيو الثاني، وجرحه جراحة خطيرة ثم ترحيله إلى صقلية، حيث مات هناك بعد قليل.

 

ومع أن الشرع النصراني يقضي بإمكانية أن يطَلِّق الملك فولك الأنجوي زوجته لثبوت الخيانة الزوجية عليها، إلاَّ أن الملك فولك الأنجوي كان يعلم أن تطليقها يعني ذهاب المُلْك ؛

 

لأنه يحكم بيت المقدس انتسابا لبنت الملك الراحل بلدوين الثاني، وعليه فحتى لو حوكمت الملكة ميلزاند، فإن الحكم سينتقل إلى إحدى أخواتها، وبالتالى إلى زوجها .

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *