google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

التجارب النووية الفرنسية فى الجزائر: آثارها تلوث العلاقات بين البلدين

كتب- سيد بدران

إستخدم الفرنسيون دمى فى موقع التجربة النووية
ما زالت آثار التجارب النووية التى أجرتها فرنسا فى صحراء مستعمرتها السابقة الجزائر، تلوث ملف العلاقات بين البلدين بعد مرور أكثر من 60 عاما على هذه التجارب.
فى صبيحة الثالث عشر من فبراير/شباط عام 1960 وبعد 45 دقيقة فقط من تفجير الجيش الفرنسى لقنبلة نووية خلال تجربة فى الصحراء الجزائرية أرسل الرئيس الفرنسى شارل ديغول رسالة إلى وزير دفاعه قال فيها: “تحية إبتهاج (هورا) لفرنسا. هذا الصباح هى قوية وفخورة. أشكركم من أعماق قلبى، أنتم وأولئك الذين حققوا هذا النجاح العظيم
وعرفت تجربة تفجير قنبلة ممتلئة بالبلوتونيوم بإسم الجربوع الأزرق. ونُظر الى تفجيرات الأسلحة النووية الـ 16 التى أعقبتها فى الصحراء الجزائرية بوصفها إستعراضاً لقوة فرنسا وتطورها التكنولوجى. فى ذلك الوقت كان الجزائر مستعمرة فرنسية. وحتى الآن ظل الوضع على الأرض حيث إشترك فى العمل على هذا المشروع 6500 من المهندسين الفرنسيين والجنود والباحثين الى جانب 3500 من العمال اليدويين الجزائريين لا يحظى بالترحيب.
لحظات فى التاريخ المعاصر كادت أن تؤدى الى نهاية الجنس البشرى عن طريق الخطأ، لقد وضعت القنبلة قبل تفجيرها على قمة برج بارتفاع 100 متر. ويحكى شهود عيان عن شعورهم بإهتزاز الأرض تحت أقدامهم وأنه عندما سمح لهم بالنظر الى الإنفجار رأوا سحابة غبار ضخمة على شكل فطر.
أجرت فرنسا أربع تجارب لأسلحة نووية فى صحراء قرب منطقة رقان فى الفترة بين 1960-1961. وقد جعلت درجات الحرارة العالية قرب موقع الإنفجار الرمل يتبلور ويتحول الى كسر زجاجية سوداء فاحمة. وكانت قوة تفجير الجربوع الأزرق أكثر بثلاث مرات من القنبلة التى القتها الولايات المتحدة الأمريكية على ناغازاكى فى اليابان عام 1945 والتى دمرت كل شئ فى مساحة 1.6 كيلومتراً حول موقع الإنفجار.
وقد برر الجنرال شارل أيوغيه الذى كان مسئولاً عن العملية تفجير مثل هذا السلاح القوى فى الجنوب الغربى الجزائرى بقوله “كان الغياب التام لأى مظهر من مظاهر الحياة أساسياً فى إختيار الموقع. بيد أن السكان القاطنين فى بلدة رقان الواقعة على بعد عشرات الكيلومترات من موقع الإنفجار لهم رأى مخالف لذلك.
لقد انتقلت عائلة عبد الرحمن تومى الى الواحة بعد التجربة فى عام 1965 لكنه تأثر فى حياته اللآحقة بما رآه من معاناة للسكان المحليين، حتى أسس فى عام 2010 رابطة للدفاع عن حقوق أولئك الذين يعانون من تأثيرات الإشعاعات النووية. وقال تومى البالغ من العمر 57 عاما لبى بى سى: فى عام 1960 عندما فجرت القنبلة كان هناك أكثر من 6000 نسمة يسكنون فى المنطقة. ولم تكن رقان وسط خلاء تام. وأضاف بحسب ما أوضح لنا باحثون فإن تأثيرات طويلة الأمد بدأت منذ نحو 20 عاماً بعد تفجير أول قنبلة وستستمر لعقود على الأقل. وأوضح تومى إن العديد ممن تعرضوا للتلوث النووى قد توفوا لأسباب طبية غير معروفة. لقد قيل لهم أن لديهم مرضاً نادراً بيد أنهم لم يعرفوا بدقة الطبيعة المحددة للمرض الذى أصابهم.
وفى أعقاب تفجير الجربوع الأزرق مباشرة وكانت هناك مظاهرات فى عموم المنطقة حيث أن سِقْط الغبار الملوث بالإشعاع النووى المتخلف من الإنفجار يمكن إكتشافه ضمن مسافات واسعة تصل الى السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو والسودان.
كما خرجت مظاهرات فى مدينة لايبزك فى ما كان يعرف بالمانيا الشرقية سيّرها طلبة ماليون شجبوا إجراء التجربة النووية على بعد بضع مئات من الكيلومترات عن بلادهم.
كرم الرئيس الفرنسى شارل ديغول الجنرال شارل أيوغية بوسام الشرف العسكرى بعد أول تجربة نووية. وبعد أن وقعت فرنسا على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية قال تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسى في عام 1998: كانت الإنفجارات الجوية الفرنسية موضع إنتقادات متزايدة من الدول الأفريقية المحاذية للصحراء. وأوضح التقرير إنهم لا يفهمون لماذا سنواصل إستخدام تقنية ملوثة بوضوح، على الرغم من كل الإحتياطات المتخذة لتقليل الغبار النووى الناجم عنها”، بيد أن التقرير لم يحدد ما هى هذه الإحتياطات.
وبعد أربع تجارب أجريت فوق الأرض فى منطقة رقان قررت السلطات الفرنسية فى عام 1961 أن تجرى تجارب تحت الأرض فى منطقة عين إيكر الواقعة على فى بعد نحو 700 كيلومتراً داخل جبال الهقار المعروفة بمناظرها الخلابة. ولكن حتى هذه التجارب التى أجريت تحت الأرض تسببت بوقوع تلوث. فخلال تفجير القنلة التى عرفت بإسم بيريل، على سبيل المثال لا الحصر، قذفت مادة إشعاعية الى الغلاف الجوى فى المنطقة جراء وجود فتحة تحت الأرض لم تغلق بشكل صحيح. وهز الإنفجار عموم المنطقة المحيطة بالجبل وحض المراقبون للتجربة العاملين على الإبتعاد من المنطقة المحيطة لأن إنفجار القنبلة فتح شقاً فى الجبل تسربت منه نفايات نووية الى الهواء.
وقد تضرر تسعة جنود بشدة جراء التلوث الإشعاعى الذى تسببت به التجربة بينما كان عدد كبير من المسئولين الحكوميين مدعويين لحضور مشاهدة الإنفجار فى التجربة. وبعد أكثر من عشر تجارب أجريت تحت الأرض فى منطقة عين إيكر نقل الجيش الفرنسى تجاربه الى جزر بولينزيا الفرنسية فى المحيط الهادئ.
وحتى اليوم ما زال الغبار النووى الناجم عن التجارب النووية الفرنسية فى الصحراء يلوث العلاقات الجزائرية الفرنسية. ويقدر باحثون محليون أن آلاف الجزائريين قد عانوا من آثار الإشعاعات النووية فى عموم الصحراء الجزائرية وما زال العديد من المواقع حتى الآن فى عداد الأماكن التى ستجرى إزالة التلوث منها.
وإكتسبت القضية أهمية مضافة عشية قرار البلدين بتشكيل لجنة تهدف الى إقتراح إجراءات لتذليل العقبات التى تكتنف هذه العلاقات والتى ما زالت مثقلة بإرث 123 عاماً من الإستعمار.
وفي تقرير أعد لحساب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، تناول المؤرخ بنيامين ستورا القضية النووية قائلاً إن فرنسا والجزائر يجب أن يعملان معاً على تنظيف مواقع التجارب.
بيد أنه لم يتحدث كثيراً عن التعويضات. وكانت مقترحاته مبهمة جداً بالنسبة للجزائريين الذين يقولون إنهم سيستمرون فى المعاناة من آثار التجارب الفرنسية.
ويضحك محمد المحمودى (49 عاما) الناشط الذى يعتقد أنه تعرض للإشعاعات فى مطلع التسعينيات أثناء أدائه الخدمة العسكرية قرب رقان قائلاً إن ستورا مثل الخياط، فهو يخيط بالضبط ما تريده فرنسا. مشيراً الى أنه لم يخبره أحد حينها بمخاطر الوجود فى هذه المنطقة.
وقالت الخارجية الفرنسية فى رسالة إلكترونية لبى بى سى لقد أُجرى كشف وتشخيص إشعاعي فى مختلف مناطق التجارب فى هذه المواقع وقد أشركت السلطات الجزائرية بالإطلاع على نتائجه.
وفي عام 2010، أقر البرلمان الفرنسى قانون موران الذى يقر نظرياً تعويض ضحايا الإشعاع النووى فى الجزائر. بيد أن القانون يشترط على المطالبين بالتعويض أن يكونوا من سكان المنطقة أثناء حدوث التجارب ويعترف بأمراض معينة فقط. ونتيجة لهذا الشرط لن يكن ضحايا من أمثال محمودى مؤهلين للمطالبة بالتعويض. على الرغم من ذلك يقول محمودى إنه ساعد فى توثيق أكثر من 800 حالة تنطبق عليها شروط التعويض.
وأفادت لجنة تعويض ضحايا التجارب النووية التى شكلت بناء على قانون موران بأن حالة واحدة فقط من 545 حالة ممن دفعت لهم أموال التعويضات كانت من الجزائر أما البقية فمن بولينزيا الفرنسية. وفى ردها قالت الخارجية الفرنسية إن فرنسا ستواصل فحص الحالات المقدمة.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *