google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

والد الشهيد ايمن حاتم:” ابنى تمنى الشهادة فى سبيل حبه لله واخلاصه لوطنه” حكايات الولاد والأرض

بقلم الكاتب محمد نبيل محمد

كنت اعود من عملى بالقوات المسلحة على فترات زمنية متباعدة لطبيعة العمل بالجيش, وعندما ادخل الى البيت اسارع بفتح باب غرفته لاطمأن على طفلى الجديد, وهو فى سبات عميق, يقولون ان النوم يزيد من نمو الاطفال الصغار, ولكن لا لهذا لم ستطع ان احمله الى صدرى أو اضمه الى قلبى, بل لا يمكننى حتى – طواعية واختيارا- ان اقبله ولو على وجنتيه او جبينه, ولم اشأ ولو ذات مرة ان اتحسس ملمسه الذى اتلمس نعومته البريئة بعينى, فقط بعينى, التى تكحلت فرحا برؤيته, ولا اعلم سببا واحدا لهذا السر الباطن الذى يجول بخلايا قلبى ويدفعنى الى اطالة النظر اليه واشباع عيناى بالنظر اليه, وهولا يعلم كل هذا , ووالدته تجذبنى برفق وروية لاخرج من حجرته حتى ينعم بنوم هادىء, وهى ايضا لا تقوى على ان تتفوه ببنت شفاة , تلك رحمة خلقها الله فى قلبينا نحو وليدنا, واستسلم لرغبتها, وتتفلت يدى من انامله الصغيرة التى لم تطالها الا فى خيالى فقط, حتى اننى من امام الباب وعلى بعد من سريره الوثير كنت اهمس صمتا فى اذنيه: اننى احبه, وارطب على فلبى المتشقق بجفاف البعد بأن اقول لنفسى: عندما يكبر, وعندما تاح الفرصة بإجازة لى من القوات المسلحة سأتحدث اليه كثيرا, وسأسمعه طويلا, وكنت اخبره سرا اننى أدخره لكبرى, لأتوكىء عليه, وكم كنت احدثه طويلا وكثيرا, وهو يغط فى نوم هادىء بصحبة الملائكة, وكم كنت اتمنى ان اوقظه من نومه لاتحدث اليه واقبله فأنا لااستطيع ان اقبله حتى لا توقظه من نومه قبلاتى ورأفة به ارسل له بقبلاتى وانا اقف امام السرير عن بعد لا املك الا الدعاء لفلذة كبدى بحياة قادمة يملؤها الفلاح والقبول من الله , واليوم ايضا انا لا استطيع ان اوقظه, وفقط احدثه , وهو ايضا لم يرد على, واجد ان قدماى اللتين قد منعتنى من الاقتراب لسريره صغيرا رأفة به, هما الآن يدفعانى للركوع الى الله امام سريره أيضا لكنه الان صار كبيرا, وكبيرا جدا ,هو الابن الذى صار سيدا لوالده, واجد هاتين اليدين يندفعان لاحتضانه وتضمانه الى قلبى حتى كنت لا اعلم اقلبى الذى توقف ام قلبه هو الذى ينبض, وهذه المرة اتمنى لو استطيع ان اوقظه, نعم الانلدى من الشجاعة والرفبة اليقين بإرادة كاملة ان اوقظه, ليت صراخ قلبى يوقظه, ليته يحرك ساكنا , تسمع اذناى الان كلامى نحوه وليس همسا كما اول يوما فى ميلاده, ووالدته تجلس بجوارى امام سريرك هى هذه المرة تطلب منى بل تدفعنى ان اوقظك وتتوسل الى ربها ليعيدك لها, ولم تمنعنى هذه المرة, وارجو بل اتوسل اليه ان يستيقظ من رقود يقتلنى , ليت هذا الرقود كان لى, الم اقل لك يا ولدى اننى ادخرك لغدى, وانا الذى لم احنث بوعد معك قط, لماذا ؟ لماذا يا ولدى تقسو على قلب والدك الهرم والمتهشم من الحسرة عليك؟, لماذا لا تقم من سباتك الذى طال وقصر معه عمرى, ارانى الان نادما لاننى لم اوقظك صغيرا واجالسك واتحدث اليك, ربما كنت قلت لك – حينها- اننى اريدك ان تحملنى الى ربى , واعلم انك ابن بار كنت ستسمع وتطيع والدك وتحقق لى رجائى , لكننى لم اوقظك ولم اطلبها منك, لكنك ايضا لم تطلب منى احملك وانا الذى لا اقوى على ذلك يا ولدى, لم يخلق الاباء الا ليحملوا اولادهم صغارا دلالا ولعبا, وكذا كل الابناء يدخرهم ابائهم ليحملوهم بعد شيخوختهم, يا ولدى لما خلفت وعدا لم نقطعه سويا؟ ارانى الان املك الشجاعة او هو امر غير الشجاعة يدفعنى لا تملمس وجه ابنى الباسم, واتحسس جسده المرصع بثلاثين طلقة هم من حملوه من بين يدى الى ربه, نعم الى الله المقصد, فعندك يا ربى انا الشيخ الهرم الذى لا حول لى وقوة, انا اطمأن على ابنى معك, فأنت له ارحم منى, وانت معه ارفق من والده. لا بكاء بل شرف شرفتنى به يا ولدى, ولا فراق موت بل رحيل الى الله.
الوالد البطل كان ضابطا بالقوات المسلحة يحكى عن قطعة كبيرة منه وفت عهدها مع الله :” … والدة الشهيد – زوجتى وشريكة عمرى – كانت مدير عام بشكرة مصر للبترول – بالمعاش – واخوة الشهيد: أحمد حاتم الأبن الأكبر وهو حاصل على بكالوريوس تجارة ويعمل مدير مالى بشركة قطاع خاص موالید 10 ديسمبر ۱۹۸۰, ونوران حاتم: الاخت الصغرى للشهيد وتعمل مهندسة بشركة مصر للبترول من مواليد 9مارس ۱۹۸۸, أما الشهيد أيمن حاتم فهو الابن الاوسط, ولد الشهيد فى يوم 4 شهر سبتمبر ١٩٨٥ فى القاهرة, ايمن ابنى الأوسط وكان لقدومه للحياة فرحة كبيرة, ومنذ صغره كان يتمتع بشخصية قيادية, ورغم اقدامه وشجاعته فكان أكثر الابناء عطفا مع جميع افراد الأسرة والعائلة الاصدقاء, وعند اكتمال عامه السادس التحق بمدرسة الزاهرات الابتدائية بمصر الجديدة, وتم استكمال المرحلة الابتدائية بمدرسة
الشيخة فاطمة بنت مبارك بارض الجوف, واثناء فترة الدراسة بالابتدائي التحق فريق الكرة الطائرة للقوات المسلحة, وكان طموحه ان يلتحق بالخدمة العسكرية, وكان شديد التعلق بها, وعند حصوله على الشهادة الابتدائية كان له الرغبة الشديدة في الالتحاق بالمدرسة الرياضية العسكرية بالاسماعيلية بالصف الأول الاعدادي, وتم قبوله, وتعلم خلالها الحياة العسكرية والانضباط والالتزام, وشارك في كثير من البطولات باسم المدرسة الرياضية للقوات المسلحة, وكان يقضي مع الأسرة اجازة خميس وجمعة فقط نظراً لانها مدرسة داخلية, والدراسة مستمرة, ثم التحق بمدرسة مدينة نصر الثانوية, حتى حصوله على الثانوية العامة, وكانت لديه رغبة شديدة لاستكمال مشواره العسكرى, وتقدم لاختبارات الكلية الحربية وكلية الشرطة, وتم قبوله بكلية الشرطة, والتحق خلال الدراسة بفريق المصارعة للكلية نظراً لبناءه الجسمانى الرياضى, وحقق بطولات فى رياضة المصارعة باسم الكلية, وكان يتمتع بين زملائه بروح المرح والمداعبة , وتخرج ايمن من كلية الشرطة عام ۲۰۰۸ وفورالتخرج التحق للعمل بقسم شرطة الجمالية التابع لمديرية أمن القاهرة , وكان من أكفأ الضباط , بشهادة قادته, وعمل في قسم الجمالية خلال أحداث ۲۰۱۱ ورغم الانفلات الأمنى إلا أنه أصر على التواجد مع أهالي الجمالية لمنع دخول أي متطرفين أو عناصر مشاغبة لمنطقة الجمالية والحسين مما جعل أهالي وتجار منطقة الجمالية يشيدون به وبمواقفه الرجولية, ثم انتقل بعد ذلك للعمل بقطاع المباحث, ثم عين معاون مباحث قسم مصر الجديدة, ثم معاون مباحث قسم شرطة القاهرة الجديدة, وفي إحدى الأكمنة قام بالقبض على أحد العناصر الاخوانية الارهابية, ونظراً لذلك وردت تهديدات له على حياته, وتم نقله لمعاون مباحث قسم شرطة مدينة بدر, وكلف بالقبض على احد العناصر الاجرامية التي قامت بخطف أحد رجال الأعمال بالمدينة, وطلب فدية مادية لطلاق صراحه, وتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة, كذلك قام بضبط كميات كثيرة من مخدر البانجو هو واحد الضباط في دائرة القسم مما أدي إلى تكريمه من مدير أمن القاهرة, وكذلك اثناء تواجده بإحدى الأكمنة المكلف بها بطريق السويس تم الاشتباه باحد الاشخاص, وبتفتيشه عثر معه على علم داعش وخنجر, وقام بتنفيذ اجراءات القبض عليه ونال على إثر ذلك تكريما من مساعد الوزير, ومنذ هذا الحين كانت تأتى له التهديدات له ولاسرته,
واشترك الشهيد البطل في كثير من مهام المطاردة للعناصر الآرهابية والإجرامية اثناء تواجده في قسم شرطة بدر بطريق السويس ثم نقل الشهيد البطل إلى قسم شرطة عين شمس معاوناً لمباحث القسم عام ۲۰۱٦ فى شهر سبتمبر وقام بضبط كثير من قضايا السرقات والقتل, حتى كلف بقيادة دورية متحركة هو مجموعة من الجنود والامناء وأحد اضباط على أن يكون التأمين للدورية المتحركة من ميدان الواحة إلى ميدان محمد زكي في أول طريق السخنة من يوم ٢٧ أبريل ٢٠١٧ حتى يوم ٥/١/۲۰۱۷ تاریخ استشهاد البطل حيث قامت مجموعة من عناصر حسم الاخوانية بقطع الطريق على الدورية الراكبة وقام الابطال بتبادل اطلاق النيران مع هذه العناصر واصابة عدد منهم وأدي ذلك لاستشهاد البطل الشهيد الرائد أيمن حاتم رفعت والرائد محمد وهبه من إدارة تامين الطرق وأمين الشرطة شعبان عبد الرحيم, وقامت وزارة الداخلية بتكريم البطل وتم عمل جنازة عسكرية للشهيد من مسجد اكاديمية الشرطة, وكان يوم عرس له, وتقدم الجنازة السيد وزير الداخلية وقيادات الشرطة وجميع زملاء الشهيد بأكثر من ۲۰۰ عربة حتى دفن في مقابر الاسرة بمدينة نصر واطلاق ۲۱ طلقة تكريماً له ولدوره البطولي.
كان البطل الشهيد متزوج وله طفل يدعي-حفيدى- سيف ايمن حاتم وكان يوم استشهاده في الصف الأول الابتدائي, وطفلته – حفيدتى- ليان أيمن حاتم وكانت فى الحضانة, وقام الشهيد بالاحتفال بعيد ميلاد ابنه سيف يوم ۲۷/ ابريل / داخل المدرسة مع زملائه إلا أنه اصر على عمل عيد ميلاد ثانى له في منزله وأصر على حضورنا الجد والجدة ووالعمة والعم مع زوجته وطفليه بمنزله وكأنه كان يودعنا ويستشعر بقرب الاجل, وكذلك قام الشهيد بعمل عيد ميلاد لابنه فى منزل عائلة زوجته فى الاول من مايو 2017 قبل استشهاده بساعات معدودة, ومع ظهر اليوم تم تكليفه بالتوجه إلى خدمه بالدورية الراكبة, وفي نفس اليوم الذى استشهد فيه الساعة ١١,٤٥ مساءاً الاولمن مايو ٢٠١٧ , انقبض قلبى عليه وكنت اتساءل عنه مع والدته وزوجته, حتى علمت بخبر استشهاد ابنى البطل من وسائل التواصل الاجتماعي عند تصفحي للأخبار فوجدت خبر ان في هجوم على كمين في الواحات فطلبت ابنى على التليفون, لا بلغه بأخذ الحيطة والحذر, ولكني وجدت تليفونه مغلق واتصلت عدة مرات وظل التليفون مغلق وشيئا فشيئا كانت تغلق انوار الحياة فى عينى, ومع الحيرة والقلق والجزع عليه اتصلت بزوجته سارة وسألتها: فى حد اتصل بك قالت أيوه, وقالوا ايمن مصاب, قلت لها: لا أيمن استشهد, قلبى اللى راح معاه قالى” ابنك استشهد”, والخبر مغلوط لانه في طريق الواحة وليس الواحات, وتوجهت مسرعاً إلى مستشفي الشرطة, واصريت ان ادخل اشوف ابنى, فوجدت ملاكاً نائماً, كما كنت اراه نائما وهو طفل, وشاهدت اصبع يده السبابة على وضع ضرب النار, لانه كان يطلق النار حتى آخر نفس في حياته, ووجدت في جسد الشهيد أكثر من ٣٠ طلقة مختلفة في انحاء جسده وكذلك قام الارهابين بالضرب على أصبعه وهو يطلق النيران مما أدي إلى بتر في اصبعه وقمت بتقبيل ابنى رغم رهبة الموقف, إلا أنى أخذت اردد انت بطل يا ايمن انت بطل يا أيمن, وحينها تذكرته عندما كان طفلا فى سريره نائما واخشى ان اوقظه بالحديث معه, لطننى الان احدثه للمرة الاخيرة, ابنى كان كتب على صفحته الشخصية عام ۲۰۱۳ أثناء الاحداث واستشهاد بعض زملائه: “بدء عصر اغتيالات ضباط الشرطة وبردو ما بنخفش”, وفي شهر ابريل ٢٠١٤ كتب على صفحته الشخصية:” يارب إذا حضرتني الوفاة فسخر لي من يلقنى الشهادتين, واطلق بها لسانى وأختم لي خاتمة حسنة وسهل على سكرات الموت وادخلنى في عبادك الصالحين”, ومن مفارقات القدر انه قام بكتابة نفس البوست قبل الاستشهاد بساعات قليلة وكانه يري الموت والنهاية, كانت علاقة أيمن باسرته طيبة جدا لان ابنى كان يتمتع بحب جميع الجيران والاسرة واهل المنطقة وأهل من عمل معهم لدرجة عند استشهاده قام اهالي حي الجمالية بتعليق صور الشهيد في شارع المعز تعيراً عن حب اهالي الجمالية والحسين للشهيد ومازال له صورة معلقة على محلات في شارع المعز بالجمالية, وحزنت الأسرة حزناً شديداً وخاصة والدته التى تأثرت كثير باستشهاد ابنى وبدأت صحتها في التدهور حتى لاقت ربها بمستشفى الشرطة بالقاهرة يوم
11 ديسمبر 2020 وكان طلبها ان تدفن بجوار ابنها الشهيد رحمة الله عليهما, وقام السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية بتكريم اسم ابنى الشهيد بمنحه وسام الجمهورية من البطاقة الثانية نظراً لبطولته, وتم اطلاق اسم ابنى الشهيد على احد الشوارع الرئيسية بمنطقة مصر الجديدة تكريماً له, وتم اطلاق اسم ابنى الشهيد على مسجد بمدينة بدر عرفاناً بما قدمه خلال خدمته بمدنية بدر في حي النرجس تخليداً لذكراه, التى لن تروح عن مخيلتى وقلبى حتى ارقد بجواره”.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *