google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

تجليات التوزيعات الهارمونية فى أوبريت العشرة الطيبة بأكاديمية الفنون

بقلم / محمد جمال الدين
ضمن إحتفالات أكاديمية الفنون بمئوية خالد الذكر سيد درويش، قدمت فرقة أكاديمية الفنون أوبريت العشرة الطيبة، وذلك على خشبة مسرح قاعة (سيد درويش)، بطولة طلبة وطالبات معاهد الأكاديمية، تأليف (محمد تيمور)، أشعار (بديع خيرى)، ألحان (سيد درويش)، توزيع موسيقى وقيادة الأوركسترا د. (أحمد عاطف)، ديكور (نورا محمد)، إضاءة (محمود طنطاوى)، ملابس (أميرة صابر)، مكياج (لمياء محمود)، أداء حركى (ضياء زكريا)، إستعراضات د. (ريم حجاب)، دراماتورج وإخراج (ضياء زكريا) و(عمرو قطامش) .
تدور أحداث الأوبريت حول حب (سيف الدين) (لنزهة) في إحدى القرى المصرية، وفي الوقت نفسه تعشق (ست الحسن) السليطة اللسان (سيف الدين)، وحين يصدها عنه تواجهه بالشتائم والضرب بشكل مضحك، ثم نرى (حزنبل) حاجب المملوك (حاج بابا) (حُص أخضر)، والكيماوي الخاص به يقابل (عرنوس) حاجب والي (مصر) في هذه القرية، وكل واحد منهما جاء لمهمة خاصة بسيده، فحاجب (حمص أخضر) جاء هذه القرية ليبحث (لحمص أخضر) عن زوجة سادسة بعد الزوجات الخمس اللاتي تزوجهن وقتلهن لكونه ملَّهن، وحاجب الوالي جاء هذه القرية ليبحث عن ابنة الوالي التي اكتشف فجأة أن أمها خدعته بعد مولدها، فرمت بها في مشنة في النيل بعد مولدها واستبدلت بها غلامًا.
وينجح الحاجبان في مهمتهما بصورة تبدو غريبة، ونكتشف أن (حاجب حمص أخضر) لم يقتل زوجات (حاج بابا)، بل أوهمه أنه قتلهن، كما أن حاجب الوالي لم يقتل الرجال الخمس الذين أمره الوالي بقتلهم .
ويدخل حاجب (حمص أخضر)، مع زوجاته الست بإضافة (ست الدار) لهن على هيئة نَوَر وغجر، ثم تُكشف حقيقتهن وحقيقة الرجال الخمس الذين أمر الوالي بقتلهم ولم يقتلوا، وتنتهي المسرحية برضى الجميع، بشكل غريب بأن يتزوج الرجال الخمس من زوجات (حاج بابا) الخمس، وبهذا تكون العشرة الطيبة، ويرضى (حاج بابا) بزوجته (ست الدار)، ويتزوج (سيف الدين) من (نزهة) .
إن المتابع لأحداث الأوبريت يرى أنها كثيرة وهو أقرب إلى الإستكشات، وتلك الأحداث تحدث بشكل فجائي ولا تعتمد على المنطق وتتابع الأحداث، بل كلها مصادفات غريبة، وعلى الجمهور الذي حضر المسرح من أجل التسلية أو من أجل الإستماع ألا يسأل نفسه كيف يحدث هذا أو ذاك؟ .
نجح الإعداد فى اختزل كثيراً من أحداث الفصول الأربعة محافظاً فى الوقت نفسه على الحفاظ على البناء الدرامى، من خلال إبراز الصراع، وخلق نوع من الحبكة المحكمة التى اعتمدت علي التتابع الحتمي للأحداث، وهو ليس تتابع آلي لكنه ممزوج بالمنظور الفكري للإعداد والرؤية الاخراجية، كما أن الحوار كان له دور هام ومحورى، فكان قصير متبادل من الممثلين، وجمله أيضا جاءت قصيرة مما أسهم فى زيادة الإيقاع .
نجحت فرقة الأوركسترا بقيادة د. أحمد عاطف فى تحقيق أساليب المعاصرة الموسيقية والتعبيرية فى المسرح الغنائى من حيث الغنـــاء، والتعبيرية فى الموسيقى، والحوار المسرحى والحوار الغنائى، والبناء الدرامى، وأيضاً التوزيع الموسـيقى والبناء الفنى لألحان (سيد درويش)، كما حدد لحن (الوصوليين) تحديداً ذروة العمل الفنى، فقد أخرج الأحداث من مضمونها الدرامى إلى الإسقاط الرمزى، لذلك ركزت الأوركسترا على تقديم هذا اللحن بشحنة هائلة ساهمت فى إظهار المضمون الدرامى والمسرحى الذى يرمز له الأوبريت .
استخدامت الأوركسترا من خلال التوزيعات الموسيقية لألحان الأوبريت العديد من التيمات الشعبية من جمل لحنية وإيقاعات، وذلك لوجود بعض التعبيرات اللفظية الدارجة فى النص، وإدراكاً منها بأن تلك التوزيعات لتلك الألحان مقدمة فى المقام الأول إلى الجمهور المسرحى، إضافة إلى الوعى الكامل بأنه الألحان تعالج موضوعاً غير تقليدياً، وهو الحال فى معظم ألحان (سيد درويش) المسرحية، إذ يغلب على الكثير منها الموضوعات والمضامين الدرامية غير التقليدية .
استخدمت الأوركسترا أيضاً التوزيعات الموسيقية (الهارمونية)، وأيضا أسلوب الغناء (البوليفونى)، فمن زاوية التوزيعات الموسيقية (الهارمونية)، قدمت العديد من التكونيات اللحنية من خلال تصاعد نغمات مقام (العجم) فى معظم التوزيعات اللحنية، مع قفزات لحنية مستقرة على نفس درجات سلم المقام، لتحقيق عنصر التوافق (الهارمونى) النغمى دون أى نشاز، وذلك بما يتلائم مع التعبير الموسيقى عن دراما وجو النص، أما من ناحية الغناء (البوليفونى) أى متعدد الأصوات بلحنين مختلفين فى نفس الوقت، وذلك بقصدية شد إنتباه المتلقى، نحو التقلبات الدرامية التى يعبر عنها هذا النوع من الغناء .
اهتمت الأوركسترا فى هذا الأوبريت بتأصيل النغمات المحلية، ووضعت نصب عينيها مسألة هامة وهى أن تعبر الموسيقى عن الدراما المسرحية، كما اتضح من خلال ثنايا الأوبريت أن التوزيعات الموسيقية للألحان لم توضح لملء الفراغات أو للحشو الزائد، وليست أيضًا عنصراً مكملاً أو ثانوياً، وإنما تتعدى وظيفتها كل تلك الحدود، فقد عملت على خلق شخصيات وأبعاد معنوية ونفسية، وحالات درامية مسرحية متكاملة العناصر، كما أنها أضفت أبعاداً جديدة مستقلّة ومتفاعلة مع البناء الدرامى العام للأوبريت، شاركت في مساره، بل صنعته في كثير من الأحيان.
اعتمدت أيضاً الأوركسترا فى التوزيعات اللحنية للأوبريت على أسس جديدة منها، الدراما والرسالة التى يرسلها الأوبريت إلى المتلقى، والتعبير الموسيقى عن أحداث الدراما، مع الإرتباط بالتراث الشعبى كأساس للهوية، وأيضا صياغة التوزيعات اللحنية فى أبسط صورة، وفى تراكيب حديثة متطورة وإيقاعات شابة مليئة بالحيوية، تبعاً لأحداث الأوبريت .
كما أن الغناء فى أوركسترا الأوبريت لم يتم بنبرة تقريرية إلا إذا إستدعى الأمر ذلك، إذ استخدمت نبرات معينة وألواناً صوتية معينة وآداءاً كلامياً معين طبقاً للأحداث الدرامية، ساهم ذلك كله في بناء الشخصية الدرامية، وأضفي عليها طابعاً صوتياً، هو في صلب الحس والتصميم الموسيقي لأبعاد الشخصيات الدرامية، أى أن الأوركسترا فى الأوبريت لم تصنع الألحان للتطريب المزاجى، وإنما هدفت إلى توصيل الفكرة إلى الناس فى أوضح صورة ممكنة، إذ لم تكتفى الأوركسترا من خلال الغناء الوصول إلى التعبير الموسيقى عبر التلوين الصوتى والغناء الحوارى فقط، بل ألبست كل فرد من أفراد مجموعة الغناء ما يناسب دوره الدرامى، من خلال تشخيص خاص يناسب الشخصيات المسرحية .
وعليه يمكن القول أن عرض فرقة أكاديمية الفنون قدم رؤية موسيقية متميزة ومتفردة تماماً لاوبريت العشرة الطيبة تميز بتكامليلة الفنون .

عن salwa mohsen

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *