google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

هل ماتت القوالب الموسيقية المصرية ؟

بقلم- محمد جمال الدين 

لماذا يهجر النشاط الموسيقي في مصر الآن كل القوالب المصرية، وتتصدر أغنية “اللحن الواحد المتكرر”، المشهد الموسيقي كله ؟ كيف تقوم أغانينا اليوم ، أغاني مصر كلها ، وتسير في الناس وليس لأي منها سوي “لحن واحد متكرر” !، سواء أكانت الأغنية لعمرودياب أو لشيرين أو لغيرهم ؟ لن نسأل عن غياب الحوار بين مطرب وآخر ، أي بين لحن وآخر ، فالحوار هو توفر عدة ألحان في الأغنية الواحدة تقاطع بعضها بعضا لنجد أغنيتنا وقد كفت عن أن تكون ذات لحن واحد ، ورغم أن الحوار مفتاح التطور وبوابة النماء الموسيقي المعاصر فقد اختفي تمام كأن لم يكن ،

ولن نسأل أين القصيد ؟ ولماذا لم يضع واحد منهم قصيدا غنائيا في الأشرطة والعروض الغنائية ، هل هجروا القصيد ببساطة لأنه يتألف من عدة ألحان (عدة شخصيات موسيقية) ولكل كوبليه فيه “لحن مختلف” ، هجروه للثراء اللحني الذي يميزه في مواجهة الفقر اللحني عندهم ، ولن نسأل عن الطقطوقة المصرية التي اختفت بالكامل ، رغم أنها تتشكل على نحو غاية في الإبداع ، حيث يتكرر لحن موسيقي واحد تعقبه كل مرة ألحان مختلفة تعبيرا عن مبدأ “الوحدة والتنوع” ، هجروها لأنها تتطلب كل هذا الإبداع والدقة في الصنعة ،

لن نسألهم أين الموشح، إذ سيسارعون بالرد المعهود “هذا قديم للغاية” ، أو أين قالب “الدور” الذي اختفي بدوره ، أين التقاسيم أو التحميله ، أين الموال ،

سوف نسألهم فقط عن قالب واحد من تراثنا هو “النشيد” وذلك لدلالته التاريخية وصفاته النادرة ، وفيه يُسند اللحن الرئيسي للجماعة وليس للفرد ، وهو الوعاء الوحيد للغناء الجماعي المصري ، لماذا لم نعد اليوم نسمع منه شيئا ؟ كيف أهدروا النشيد بينما أراقت ثلاثة أجيال سنوات عمرها وهي تؤسسه وتبنيه وتضع له من الأساليب ما يتفق وتراث المصرين ؟ نعم ثلاثة أجيال كاملة في ثلاثة مدارس موسيقية مصرية عظيمة : مدرسة محمد عثمان 1840 – 1900 ، ومدرسة سيد درويش 1900 – 1930 ، ومدرسة القصبجي والسنباطي وعبد الوهاب 1930 – 1965 ، كيف اختفي النشيد وأضحت الأغنية الوطنية غناء فرديا ، كيف اختفى وغيابه يجعل الأغنية المصرية تتضاءل بكل أنواعها وتتضاءل لتصبح فردية اللحن على نحو مطلق ، كيف تغيب إذن عن النشاط الموسيقي المصري الآن تسع قوالب موسيقية مصرية كاملة : الموال والموشح والقصيد والدور والطقطوقة والتقاسيم والتحميلة والنشيد والحوار الغنائي ؟ هي إرث الوطن وكل تراثنا المعاصر الذي شيدناه عبر قرنين طوال (التاسع عشر والعشرين) ، وكل واحد منها انجاز وطني بذلت بلادنا من أجله الكثير ،

هل ماتت قوالبنا الموسيقية كلها ؟ من المعلوم أن الأشكال الفنية الوطنية لا تموت أبدا مهما أهملناها ، ولا تختفي فجأة ، وما يحدث دوما وهو الصحيح أن تُسْتَوْلَد وتأتي من قلبها أشكال جديدة ، ودون هذا التوالد ينقطع حبل الوراثة وتختفي وحدة وتواصل الثقافة الوطنية ، فيأتي كل جيل منبت الصلة عن فن آبائه ، وبالتالي عاجز عن بناء فن جديد ؟ والحقيقة هي أنه ليس في الفن “جديد” وإنما “متجدد”، ولكن لا حياة لمن تنادي، فمازالت أغنية المطرب الفرد تحتل هذه المساحة المروعة من إبداعنا ولا نكاد في مصر اليوم نري غيرها ، أليس بوسعنا التقدم صوب التعدد مثلا، بوضع أغنية يذهب فيها اللحن ويأتي أضعف الإيمان ما بين اثنين من المطربين، أي إعمال مبدأ تناوب اللحن الواحد “مجرد التناوب” ولا أقول “الحوار” بين ألحان مختلفة ؟ الواقع والحقيقة إننا لابد وأن نتحرك بكامل جهودنا صوب الغناء الحواري وصوب الغناء الجماعي ، منطلقين في ذلك من قوالبنا التسع الوطنية التقليدية… أي أن نتحرك لغرس الجماعية والحوار في قوالبنا ، ودون ذلك لن يظهر بصيص من أمل في التطور الموسيقي .

عن salwa mohsen

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *