google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

الثقافة والفنون ودورهما فى تشكيل الوعى الوجدانى والفكرى للضمير الجمعى

بقلم / محمد جمال الدين

تعتبر الثقافة بالنسبة لأى دولة بمثابة الإطار النظرى لمعتقدات الفرد والمجتمع الذي ينتمى إليه ويعيش فيه، وهى أيضًا ما يلاحظ في السلوك الأخلاقى والدينى الذي يرتبط ارتباطًا كبيرًا بالثقافة، وينضم إلى عنصرى الثقافة والدين العنصر الاجتماعى والإقتصادى، إذ لا ينفصل النظرى عن العملى، أو بعبارة أخرى كما يقول البعض لا ينفصل القول عن الفعل، وذلك تبعًا لطبيعة الثقافة ومعناها لدى فرد ما في مجتمع ما، وحتى إذا انفصل القول عن الفعل أو تناقض النظر مع العمل، فإنها تكون إحدى السمات الثقافية لهذا الفرد أو هذا المجتمع الذي ينتمى إليه.

وتعد الثقافة نموذج لكل نشاط بشري قام به الإنسان في مجتمع معين، وتتجلى هذه الثقافة في فنون أو عادات أو معتقدات أي مجتمع، حيث تؤثر البيئة بشكل كبير على نمط حياة الناس في كل مكان، وعلى ذلك تتشكل الثقافة، إذ تعنى الثقافة الدراسة والمتابعة، ولا تعنى مجرد تطور إنسانيتنا من جميع جوانبها، ولا تعد نشاطًا يقتصر على الأفراد فحسب، أو على قطاع أو شطر من مجتمع، وإنما هى شاملة بشكل جوهرى، وقد نجحت الثقافة فى أن تكون بديلاً قويًا عن الفوضى والعنف، وذلك فى زمن الثورة الصناعية فى القرن التاسع عشر، إذ تتعدى الثقافة الحدود التى يقف عنها التفكير الآلى وتمقت الكراهية .

كما ترجع أهمية الثقافة كونها القادرة على تشكيل الوجدان الفردى أو الوجدان الجماعى لمجتمع ما، وهى في الوقت نفسه ما تشكل الوجدان الدافع لسلوكهم على نحو معين، وهي أيضًا التي تعمل على تشكيل الضمير الذاتى للفرد أو للمجتمع الذي ينتمى إليه، إذ أن هذا الوجدان وهذا الضمير هما ما يقومان بتوجيه بوصلة السلوك للفرد أو للمجتمع، ويحاسب بهما الفرد أو المجتمع نفسه، ويقوم الفرد والمجتمع من خلالهما بتقييم الأعمال والأفعال، ويعقد المقارنة بين هذه الأفعال الذاتية وبين أفعال الأخرين في ضوء مجموعة القيم الحاكمة التي يؤمن بها.

ولا تنبع الثقافة من فراغ فلكل ثقافة تاريخها ووعيها التاريخى المستقل، ويتحدد جوهر الثقافة وفقًا لعمقها التاريخى، وبالنسبة لقدرة الفرد أو الشعب صاحب هذه الثقافة في دفاعه عنها، والتمسك بها في وقت الشدائد والمحن والأزمات، وبقدر ما في الثقافة من قيم إيجابية مؤثرة وفاعلة بقدر ما تكون قادرة على تحديد ذاتها بتفاعلها مع الثقافات الأخرى، بحيث لا تستطيع أي ثقافة غازية أو مسيطرة محوها من الوجود أو إبدالها أو نسخ شخصيتها الذاتية .

وكلما كانت الثقافة ذات تاريخ عميق، كان ذلك دليلًا على كونها ثقافة قابلة في أي زمن للحوار مع الثقافات الأخرى، فلا فرق بين ثقافة وثقافة أخرى إلا بما تتضمنه كل ثقافة من عناصر إيجابية، وقادرة على ابتكار آليات وقيم جديدة، تقود أصحابها إلى التقدم الدائم، من أجل تحقيق أكبر قدر من الأمان والإستقرار والرفاهية وسعادة الفرد .

وتلعب الثقافة دورًا رئيسًا في تشكيل المجتمع وتحقيق الإنتماء، والشعور بالأمان والإحساس بالرعاية والمحبة وفهم العادات الاجتماعية، وأيضًا تحديد القيم وتقوية الروابط المجتمعية والتنظيم الاجتماعي، وتحسين الصحة العامة والرفاهية والإقتصاد، كما تكمن أهميتها فى حياة الإنسان فى العديد من المحاور الأساسية منها معرفة النسب وتحقيق الذات، إذ تسمح ثقافة اليوم في كل مجتمع بالوصول إلى معلومات مهمة، حول أسلافنا وتاريخ وأصل كل تقليد وعادة ومعتقد، أيضًا تعزيز القيم الأخلاقية والإنضباط، من خلال اتباع نمط ثقافي يغرس قيمًا أخلاقية توجه للتصرف بشكل مناسب وتجعل هناك أشخاص أفضل، علاوة على إثراء المعرفة، إذ تسمح لنا دراسة كل جانب من جوانب ثقافتنا بتوسيع المعلومات وفهم ممارستها والمحافظة عليها، مع تشجيع الشعور بالمسئولية، حيث إن التقاليد الثقافية تعلم الناس أن يكونوا مسؤولين، لأنه بدون قواعد أو أنماط يجب إتباعها يفسح المجال للفوضى والسلوك غير المناسب، وأيضًا توفير الإستقرار، حيث تعطي الممارسة الثقافية المشتركة شعورًا بالأمن والحماية الفردية والإستقرار .

ويعتبر تأثير الثقافة والفنون هامًا وأساسيًا لتحقيق أى رؤية مستقبلية لأى مجتمع، إذ أن هذا التأثير يشمل معظم برامجها التنفيذية وأهدافها الإستراتيجية على جميع المستويات، إذ أنها تسهم بشكل فاعل في محاورها الرئيسة المتمثلة فى مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، كما تساهم أيضًا الثقافة والفنون في تنمية القدرات البشرية، وتعزيز البنية التحتية، والمشاركة في المسابقات الثقافية والفنية والمحلية والدولية وتشجيع الأنشطة في المدارس، وتطوير طرق مبتكرة للقراءة، والإهتمام بالفنون في الجامعات، وتأسيس الجمعيات الثقافية، بما يسهم في تغيير الوعي المجتمعي حول الفنون والثقافة، وذلك لخلق أجيال مؤهلة للمنافسة الإقليمية والعالمية في كل ما يتعلق بالفنون والثقافة.

وتعد الثقافة والفنون أحد أهم العوامل التى لها تأثير بالغ الأثر فى رفع مستوى جودة الحياة، حيث أن خدمات الثقافة والفنون تقدم خيارات للتمتع بنمط حياة مفعم بالحيوية بشكل فاعل، لتوفير أعلى مستوى من جودة الحياة للمجتمعات، ومما لا شك فيه أيضًا مدى تأثير الثقافة والفنون على صناعة الإعلام ليصبح مؤثرًا وعابر للحدود، وذلك بما يحسن الصورة العامة عن ثقافة مجتمع ما، والمنسجمة مع متغيرات العصر، لما تتمتع به من مرونة وإنفتاح على الأخر، فمما لاشك فيه أن تعزيز الثقافة والفنون تسهم في خلق شخصيات تعتز بأوطانها وقيمه الراسخة، متمنعة أمام سيل العولمة التي أصبحت تذيب الثقافات العالمية العريقة، بفعل تأثيرها السريع والمتنامي .

عن farida fahmey

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *