google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

التربية الموسيقية وتنمية الوعى الوطنى لدى الطفل المصرى

بقلم / محمد جمال الدين
تعتبر علاقة التربية الموسيقية بالتربية علاقة وثيقة، إذ تعتمد كل منهما على الأخري، فالتربية تعتمد على التربية الموسيقية في بناء شخصية الطفل الذي سينمو ويصبح شاباً له قيمته في المجتمع، والتربية الموسيقية تحتاج إلى أساليب التربية ومفاهيمها لنشر التذوق الموسيقي الجيد، والوصول إلى إمكانية تحقيق الإبداع الفني لدى المواهب في هذا المجال .
وإذا كانت التربية خبرة إنسانية، والعملية التربوية هى نقل الخبرات الإنسانية إلى الجيل الجديد، فإن فلسفة التربية هى تطبيق تلك الخبرة، ففلسفة التربية تعمل على نقد العملية التربوية وتعديلها، والعمل على إتساقها وتوضيحها، حتى تتلاءم هذه الخبرة مع الحياة المعاصرة، ومن ثم فالتربية الموسيقية تهدف تحقيق العديد من الأهداف التربوية التى تسعى إلى تحقيق النمو المتكامل للطفل، وذلك يعنى أن فلسفة التربية تهتم بدراسة التربية الموسيقية كأحد أهم ميادين الخبرة الإنسانية، لأن ذلك يساعد على فهم العملية التربوية وتعديلها بطريقة أفضل وأكثر عمقاً، وتساعد على إقتراح خطوط جديدة للنمو الشامل للفرد.
كما أن التعلم فى نظر الفلسفة المثالية نشاط عقلى صرف، يقوم فيه العقل بالمقارنة والإستنتاج وتوليد المعانى الجديدة بما لديه من معان وخبرات سابقة، حيث يرتب بعضها ترتيباً معيناً فيصل إلى نتيجة معينة، كما تؤكد الفلسفة المثالية على ضرورة الإهتمام بتنمية قدرة العقل على التأمل وتشجيعه على التفكير الناقد، ومن ثم فالتربية الموسيقية تهدف تحقيق العديد من الأهداف التربوية، التى تسعى إلى النمو العقلى والخلقى أو الروحى، وذلك يعنى أن فلسفة التربية المثالية تهتم بدراسة التربية الموسيقية، لان ذلك يساعد على البناء والنمو المتكامل للطفل من خلال قدرة التربية الموسيقية على تنمية قدرات العقل وكذلك التفكير الناقد لدى الطفل .
وحيث أن التربية فى هذه الفلسفة ما هى إلا مساعدة الإنسان ليتكيف مع بيئته، وحتى يتم هذا التكيف فإن على الطفل أن يفهم العالم الذى يعيش فيه، ولذلك ترى ضرورة الإهتمام بالتجريب والإكتشاف من خلال الأنشطة التربوية، ومن ثم فالفلسفة الواقعية للتربية تهتم بالتربية الموسيقية كأحد أهم الأنشطة التربوية التى تنمى العقل أولاً، وتنمى لدى الطفل روح الإكتشاف والتجريب، علاوة على التكيف مع بيئته ومجتمعه .
إن أساس التعليم فى نظر الفلسفة الطبيعية هو الخبرة المباشرة للطفل من خلال إحتكاكه بالطبيعة وعناصرها، كما ترى الفلسفة الطبيعية أن التربية تؤمن بأهمية إشتراك الأطفال فى فترات من التدريب وإكتساب الخبرة، ففى ذلك تربية إستقلالية، فالإهتمام يجب أن يكون بالطفل وتنمية رغباته، ومن ثم فالتربية الموسيقية تهدف إلى الإهتمام بنقل الخبرة المباشرة للطفل، وتقدم له العديد من فترات التدريب وإكتساب الخبرات التى تسعى إلى تحقيق النمو المتكامل للطفل، فإن ذلك يعنى أن الفلسفة الطبيعية للتربية تهتم بدور التربية الموسيقية فى التربية، كأحد أهم ميادين الخبرة الإنسانية .
ويعتبر النشاط المبنى على الحرية هو المبدأ الذى دعا إليه (جون ديوى)، حيث أشار إلى أن الطفل لديه ملكات غريزية ينبغى أن تتاح لها فرص النمو والتطور إلى أقصى حدود إمكانياتها، كما اهتمت فلسفة (جون ديوى) (البراجماتية) بالنشاط العقلى الحر، فهو يمثل القيمة التربوية عن طريق الخبرة التى يكتسبها الأطفال، ومن ثم يتضح إهتمام الفلسفة (البراجماتية) للتربية، بالتربية الموسيقية كأحد أهم الأنشطة التربوية، إذ تراعى التربية الموسيقية النشاط العقلى الحر، والفروق الفردية بين الأطفال فى ملكاتهم الغريزية وقدراتهم العقلية وسماتهم الشخصية، فى جو فنى يقوم على التعاون والشورى، ويحقق الأهداف التربوية المرجوة من النمو المتكامل للأطفال .
ولقد قامت الفلسفة الإسلامية معتمدة على القرآن الكريم، والسنة النبوية، بالإضافة إلى الإهتمام بالفروق الفردية بين الأطفال وميولهم وإهتماماتهم، إذ أن منهج التربية الإسلامية منهج عبادة وفكر وعمل، وقد راعت التربية الإسلامية الأطفال منذ ولادتهم، وأهتمت بالأنشطة التربوية التى تنمى القدرات العقلية والمهارات الجسمية لديهم .
تأسيساً على ما سبق، نجد أن الفلسفة الإسلامية تؤمن بمبدأ الفروق الفردية بين الأطفال، وتراعى ميولهم وإهتماماتهم، وأنها تتضمن أنشطة تربوية ذات أهداف تربوية، تؤدى إلى تدريب العقل من ناحية، وتنمية الحواس من ناحية أخرى، وبذلك يتحقق التكامل فى العملية التربوية، ويتم تحقيق الأهداف التربوية المنشودة من النمو المتكامل والشامل للطفل، وهى نفس الأهداف التى تسعى التربية الموسيقية إلى تحقيقها، إذ تلتقى النظرة الإسلامية للتربية والتربية الموسيقية فى العديد من المقاصد والأهداف التربوية التى تسعى إلى تحقيق النمو المتكامل والشامل للطفل، حيث يلتقيان فى سعى كلا منهما إلى تدريب العقل وتنمية الحواس، ومراعاة الفروق الفردية والميول والإهتمامات بين الأطفال، بقصدية تحقيق الأهداف التربوية المنشودة من نمو كامل وشامل للطفل، بل يجمعها هدف شامل هو، إنسان جديد لمجتمع جديد، إنسان متكامل الشخصية يعيش فى مستوى عصره .
مما سبق يتضح جلياً أن التربية الموسيقية لها أثر كبير على العملية التربوية، وعلى تنمية الوعى الوطنى لدى الأطفال فى مصر، لدورها البارز فى إحياء التراث، والإعتزاز بالوطن وتاريخه، وفهم صحيح الأديان، وتشكيل الوعى بالقضايا المتعددة، وخلق مواطن مصرى قادر على مواجهة العالم المتغير من حوله فى كافة جوانب الحياة، والمؤمن بتراثه، وبقيمه الأصيلة، ورسالته الحضارية .
ولما كان المجتمع هو جماعة من الناس تعيش فى بقعة جغرافية معينة، وتزاول نشاطات إقتصادية وسياسية ذات مصالح مشتركة، ولها تنظيم إجتماعى وإدارى يحدد طبيعة حكمها، كما أن لها قيّماً ومصالح وشعوراً وأهدافاً متبادلة، وكانت الثقافة تطلق على ما صنعه أى شعب أو أى أمة من نظم وحياة إجتماعية، وأدوات ومصنوعات وأفكار، أى التراث الإجتماعى الذى تراكم عبر الأجيال المتعاقبة والذى يعيش فيه هذا الشعب أو هذه الأمة، وكما يرى تايلور “أن الثقافة هى ذلك الكل المركب الذى يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعرف، وكل القدرات والعادات التى يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو فى المجتمع” .
وعليه فإن التربية الموسيقية كأحد أهم الأنشطة التربوية، تعتبر أحد أهم الأداوت أو الوسائل التى تستخدم لبلوغ أهداف المجتمع فى تربية الأطفال، إذ تتدرج مع الأطفال فى تعريفهم بعناصر التراث الإجتماعى فى مجتمعهم، والذى يشمل جميع أساليب الحياة السائدة فى المجتمع، وثقافته المادية والفكرية، فهى بذلك تتناول جميع أوجه الحياة التى تؤثر على الطفل والمجتمع، وتكسب العديد من القيم والعادات ذات الأثر الإيجابى البناء فى التعاون والمساندة الإجتماعية، ومعايير السلوك الحميد والخلق الطيب، الذى فيه ضمان كيان الفرد والمجتمع، كذلك يمتد هذا التأثير فى آداب السلوك وآداب الحديث والحوار فى المناسبات والإحتفالات الدينية والوطنية المختلفة فى المجتمع.
وتقوم التربية على أسس إجتماعية تشتق من المجتمع وثقافته، التى تصنع شخصية الإنسان داخل مجتمعه، وتوجه أهدافه وأساليب حياته، وتحفظ له استمراره المعرفى، واستقراره الإجتماعى والسياسى والإقتصادى، وكل ما يميز الإنسان داخل المجتمع من فكر وعادات وتقاليد وقيم ومظاهر إجتماعية مختلفة .
ولما كانت التربية الموسيقية ضرورة للقيام بواجبات إجتماعية، فإن هذا يعنى أن التربية الموسيقية لم توجد لمجرد الترف واللهو، ولكنها وجدت لتدريب الأطفال على حياة المجتمعات، وبث روح الجماعة فيهم وتدعيم شخصياتهم بما يواجهونه مستقبلاً من تحديات، وما سوف يتحملونه من مسئوليات، ومن ثم أصبحت للتربية الموسيقية أهداف عديدة منبثقة من الأهداف العامة للتربية من زاوية، والأهداف الإجتماعية من زاوية منها، إعداد الأطفال للمواطنة الصالحة، وتربيتهم على المبادئ والمثل العليا، والإرتباط بالوطن، وغرس الإنتماء من خلال دعم وتأصيل القيم الروحية والدينية، والسلوك والخلق الإجتماعى والديمقراطى، وإنماء الاعتزاز بالشخصية المصرية .
أيضاً غرس روح التعاون وتعود العمل عند الأطفال والقدرة على تخطيط العمل وتنظيمه، وتحمل المسئولية والتدريب على القيادة، كما تؤدى وظيفة تشخيصية إذ تساعد على إتاحة الفرص لظهور مواهب الأطفال، فيسهل كشف المواهب وتنميتها وتوجيهها فى الإتجاهات السليمة فى المجتمع، أيضاً تؤدى التربية الموسيقية وظيفة علاجية، لأنها تتيح الفرص لعلاج كثير من المشكلات النفسية والإجتماعية كالشعور بالخجل والإنطواء وحب العزلة، وذلك من خلال تشجيع الأطفال على التعامل والإندماج مع بعضهم البعض، مما يؤدى إلى تنمية روح الجماعة، وتربية الأطفال على النظام والقانون داخل المجتمع، من خلال إدراكه بالممارسة أن القوانين والأنظمة أداة لتيسير العمل فى المجتمع وليسا أداة للقهر، بالإضافة إلى تنمية مهارات معرفية للأطفال حيث تثير الإهتمام وتدفع إلى التساؤل، مما يعد بداية التفكير العملى والعلمى والنشاط العقلى، وذلك من خلال التغيرات التى تحدث فى المجال المعرفى لدى الأطفال من خلال إضافات وتعديلات فى المعرفة، ونمو فى المهارات العقلية كالقدرة على تقويم الأفكار فى ضوء المعايير المناسبة داخل المجتمع.
وإنطلاقاً من أهمية التربية الموسيقية، ودورها فى تحقيق أهداف التربية ومنها تنمية الوعى الوطنى لدى الطفل المصرى، فإنه من الضرورى أن تكون برامج ومسابقات وإحتفالات التربية الموسيقية، فى أيا من الوسائط التى تقدم أنشطة التربية الموسيقية متنوعة كماً وكيفاً، حتى تكون عاملاً أساسياً فى تنمية الوعى الوطنى بأبعاده (الدينية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية والتاريخية)، وكذلك تكوين المواطن الصالح الواعى بحقوقه وواجباته تجاه الوطن.
فمن الناحية التربوية تهدف التربية الموسيقية إلى الإهتمام بتكامل نمو الطفل جسدياً ونفسياً وعاطفياً وعقلياً وإجتماعياً، حتى نعده للحياة في مجتمعه وبيئته كمواطن صالح، فيتذوق ويقدر الموسيقى الجيدة، ويشعر بالناحية الجمالية فيها ويتأثر بها، وتنمية الوعي الوطنى بأبعاده المختلفة في نفس الأطفال، وبث روح التعاون بين الأطفال، والشعور بقيمة العمل الجماعي، وبأهمية دور الفرد في الجماعة، وأهمية الجماعة بالنسبة للفرد، أيضاً تعريف الأطفال بأهمية وعراقة مصر كوطن واحد، وتعريفهم بالعالم الخارجي عن طريق تقديم المقتطفات من الموسيقى العالمية بما يناسب مداركهم، وتهيئة الفرص للأطفال للتعبير عن النفس تعبيراً حراً، ينفس عن مكبوتاتهم ويصرف طاقاتهم الحيوية الكبيرة، أيضاً إستغلال الموسيقى كهواية مفضلة تعين الطفل على ممارستها في أوقات فراغه، إستغلالاً مثمراً كمستمع أو عازف أو مبدع .
أما من الناحية الفنية تسهم التربية الموسيقية فى تنمية الإدراك الحسي وخاصة الإنتباه والحركة عند الطفل، منذ نشأته الأولى عن طريق الإيقاع والنغم، وتربية الحاسة السمعية لإدراك العناصر الموسيقية، وتنمية الذوق الموسيقي السليم، وخلق الجو المناسب لتربية الإدراك السمعي لدى الأطفال، والتدرج بهم إلى مستوى التذوق الموسيقي المبني على الفهم والإدراك، أيضًا تعريف الطفل بعناصر اللغة الموسيقية قراءة وكتابة بصورة مبسطة، وغرس عادات سلوكية سليمة للإستماع عند الطفل منها، آداب الإستماع والعمل عند ممارستها، علاوة على العمل على الإرتقاء بمستوى الوعي الفني الموسيقي لدى الأطفال، ممثلاً في إكسابهم الصفات التي تنمي فيهم القدرة على الإستماع الواعي، بالإضافة إلى الكشف عن ذوي الإستعداد والمواهب الموسيقية في سن مبكرة والعناية بهم، وتوجيههم وجهة موسيقية .

عن remon hafez

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *