google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

معركة الريدانية

كتبت – بوسي عواد

بعد أن انهى السلطان سليم فتح الشام والانتصار الذي حققه سنان باشا على جانبردي الغزالي في خان يونس ، بدأ التقدم باتجاه مصر . وقبل التوجه لمصر أرسل السلطان سليم رسولا إلى الزعيم الجديد للمماليك طومان باي يطلب منه الخضوع له والطاعة للدولة العثمانية وذكر اسمه بالخطبة وعرض عليه أن تكون مصر له بدءا من غزة ويكون هو واليا عليها من قبل السلطان العثماني على أن يرسل له الخراج السنوي لمصر وحذره من الوقوع فيما وقع فيه سلفه قنصوه الغوري . لكن طومان باي رفض العرض وقتل الرسل بتأثير من أتباعه الجراكسة مما يعني اعلان الحرب على العثمانيين .

بعد قتل رسل السلطان سليم الأول قرر التوجه بجيشه صوب مصر بجيش مقداره مئة وخمسون ألفا مقاتل وصحبه كثير من المدافع واجتاز الصحراء مع جيشه ووصل العريش في 11 يناير 1517 فقطع صحراء فلسطين وقد نزلت الأمطار على أماكن سير الحملة مما يسر على الجيش العثماني قطع الصحراء الناعمة الرمال وذلك بعد أن جعلتها الأمطار الغزيرة متماسكة مما يسهل اجتيازها ووصل الصالحية مع جيشه بعد أن عبر الصحراء بخمسة أيام وفي أثناء عبور الجيش العثماني للصحراء ، تعرض إلى غارات البدو وكان السلطان المملوكي يحث البدو على القيام بهذا العمل وكان يدفع مقابل كل رأس تركي وزنه ذهبا ، وقد اشتدت غارات البدو لدرجة خاف الوزير الأعظم من حدوث معركة كبيرة وقد كادت أن تكلف حياته هو الآخر .

جمع طومان باي 40 ألف جندي نصفهم من أهالي مصر والنصف الآخر من العسكر المماليك وفي قول آخر كان عدد جيشه 30 ألف مقاتل وقد استقدم 200 مدفع مع مدفعيين من الفرنجة ووضعها في الريدانية والهدف منها هو مباغتة العثمانيين عند مروره والانقضاض عليه وحفرت الخنادق وأقيمت الدشم لمئة مدفع وكذلك الحواجز المضادة للخيول على غرار ما فعله سليم الأول في معركة مرج دابق ولكن استخبارات العثمانيين تمكنت من اكتشاف خطة المماليك .

قام السلطان العثماني بعملية تمويهية بُعيد اكتشافه للخطة المصرية ، بأن أظهر نفسه سائرا نحو العادلية ولكنه التف وبسرعة حول جبل المقطم ورمى بكل ثقله على المماليك بالريدانية ، فوقعت المواجهة في 23 يناير 1517.

يقول ابن اياس بكتابه (بدائع الزهور في وقائع الدهور): وصلت طلائع عسكر ابن عثمان عند بركة (الحاج) بضواحي القاهرة ، فاضطربت أحوال العسكر المصرية، وأغلق باب الفتوح وباب النصر وباب الشعرية وباب البحر ، وأغلقت الأسواق ، وزعق النفير ، وصار السلطان طومان باي راكبا بنفسه وهو يرتب الأمراء على قدر منازلهم ،ونادى للعسكر بالخروج للقتال ، وأقبل جند ابن عثمان كالجراد المنتشر، فتلاقى الجيشان في أوائل الريدانية، فكان بين الفريقين معركة مهولة وقتل من العثمانية ما لا يحصى عددهم). ويستطرد ابن إياس فيقول: (ثم دبت الحياة في العثمانية، فقتلوا من عسكر مصر ما لا يحصى عددهم) .. انتهى كلام ابن اياس .

استمرت المعركة الضارية بين العثمانيين والمماليك ما بين 7-8 ساعات وانتهت بهزيمة المماليك وفقد العثمانيون خيرة الرجال منهم سنان باشا الخادم ، وقد قتل بيد طومان باي الذي قاد مجموعة فدائية بنفسه واقتحم معسكر سليم الأول وقبض على وزيره وقتله بيده ظناً منه أنه سليم الأول . وأيضا فقد من القادة العثمانيين وأمراء الجيش بسبب الشجاعة المنقطعة للمماليك ، ولكنهم لم يستطيعوا مواجهة الجيش العثماني لمدة طويلة فقد خسر المماليك حوالي 25 ألف قتيل ، وفر طومان باي من المعركة ودخل العثمانيون العاصمة المصرية وقد استغرق منهم الكثير من الوقت والرجال حتى استكملوا سيطرتهم بالكامل على القاهرة .

فر طومان باي إلى البحيرة ولجأ لأحد رؤساء الأعراب هناك طالبا منه العون والحماية فأحسن استقباله في بادئ الأمر ثم وشي به إلى السلطان سليم الأول ، فسارع بإرسال قوة للقبض عليه فأتت به إليه ، وأخذ السلطان يتأمله معجبا بشجاعته وفروسيته ، ثم عاتبه واتهمه بقتل رسله الذين أرسلهم لمفاوضته في الصلح ، فنفى طومان باي التهمة عن نفسه، وبرر استمراره في القتال بأن الواجب يحتم عليه هذا .

وكاد السلطان العثماني من إعجابه بشجاعة طومان باي أن يعفو عنه، ولكنه لم يفعل تحت تأثير الوشاة الذين حرّضوا السلطان على قتله بحجة أن لا بقاء لملكه في مصر ما دام طومان باي على قيدالحياة وتم اعداد موكب يسير في القاهرة بين جموع الناس ليتم اعدام “طومان باي” .. وودع المصريون آخر حكام دولة المماليك وطلب طومان باي من الجلاد أن يقوم بدوره وطلب من المصريين أن يقرؤوا له الفاتحة ثلاث مرات ، ثم يدفن بقبة السلطان الغوري .

أسباب هزيمة المماليك أمام الجيش العثماني هي :
• تحول ولاءات بعض القادة المماليك إلى السلطان سليم كخاير بك وجان بردي الغزالي والذي اعطى معلومات مهمة جدا لخطط المماليك للعثمانيين فكوفئ بحكم دمشق !!

سوء أحوال دولة المماليك بمصر وانصرافهم عن أمور الدولة وبعدهم عن الشعب المصري، فقد كونوا طبقة ارستقراطية خاصة بهم ، لا تهتم بأمور الشعب، مما أدي لسوء الأحوال الاقتصادية وتراكم الديون خاصة بعد انتقال طريق التجارة الذي يمر بمصر إلى رأس الرجاء الصالح .

تفوق العثمانيين في الأسلحة الحديثة والمدافع والخطط الحربية المستمدة من الغرب ، فالأتراك اعتمدوا على الأسلحة النارية على عكس المماليك الذين لايزال اعتمادهم على السيف والرمح ،ومن الطريف أن المماليك عرفوا الأسلحة النارية قبل العثمانيين بمقدار ستون عاما ولكنهم لم يستغلوا تلك المعرفة بحكم أن ذلك يتطلب تعديلا جذريا بتنظيم الجيش وأساليبه القتالية مما يحوله إلى جيش مشاة ويلغي الفروسية والسهم والسيف والخيل ، كما أن سلاح المدفعية العثماني يعتمد على مدافع خفيفة يمكن تحريكها بجميع الإتجاهات على عكس المدفعية المملوكية والتي تعتمد على مدافع ضخمة لا تتحرك . وهذا مما حيَد مدافع المماليك عند التفاف العثمانيين عليهم بتلك المعركة

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *