google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

فــــن العلاقـــــات

 بقلم -سارة القدوسي

من منا لم يرغب في تكوين علاقات متشعبة علي جميع المستويات وسرعان ما أرهقته تلك العلاقات وباتت مصدر قلق بدلاً من كونها مصدر دعم وأمان.

 

إنها رغبة طبيعية حيث يمثل تكوين العلاقات الإحتياج الثالث في مثلث ماسلو للإحتياجات وذلك بعد الحاجات الفسيولوجية كالمأكل والمشرب والحاجة للشعور بالأمان.

 

فهل العلاقات الإنسانية علم أم فن؟ هل ما قمنا بدراسته في الكتب كافٍ لبناء علاقات حقيقية أم نحتاج للمزيد من التجارب والخبرات كي لا نقع فريسة لعلاقات مرهقة تمتص دماء قلوبنا؟

 

وقبل أن نبحر في عالم العلاقات ،علينا تقبل فكرة أن بعض العلاقات قد تتحول في يوم ما إلي عدوات ، فسيدنا موسي عليه السلام تربي في بيت فرعون وعندما أعلن مبدأه أصبح عدواً له ، فكن إنسان ذو مبدأ مهما كلفك ذلك ولا تفجع من تلك العداوات ، فمن يظن أن التخلي عن المبادئ يؤدي إلي كسب الجميع مخطئ ، فإرضاء الناس غاية لا تدرك.

 

كما أن جميع العلاقات قائمة علي المصالح وهذا ليس عيباً ولا ينقص من قيمتها فجميعنا يحتاج للأخر ، حتي علاقة الأم بولدها فهي تربي طفلها صغيرا كي يرعاها كبير فالعلاقة الوحيدة التي لا تقوم علي المصلحة هي علاقة الله عز وجل بنا فهو الغني عنا.

 

وعلي مدار تجاربنا الحياتية وجدنا مستويات مختلف للعلاقات فمثلا نجد من يتعامل بالأقل فيرد بالسئ رغم ما نقدمه له من معروف وهناك من إذا عاملته بالحسنى ردها إليك وإن أسأت إليه أساء إليك

وهذا من يتعامل بالمثل ويحضرني في ذلك قول الإمام الشافعي

” زن من وزنك بما وزنك وما وزنك به فزنه”. وبرغم أن ذلك هو الميزان العادل في معاملة الناس حيث أن العلاقات تبادلية للغاية إلا إننا نجد من إرتقي في معاملته إلي منزلة التعامل بالفضل وهي أن يحسن لمن يسئ إليه والأعلي من ذلك من يتعامل مع الأخر كما يحب الله وخير من ذلك كله من يتعامل كما يحب أن يعامله الله ، ولذلك فإن من أهم العلاقات التي تؤثر بشكل كبير علي علاقتك بالأخرين هي علاقتك بالله ؛ فعلي قدر علاقتك به عز وجل تتحدد علاقتك بالأخرين ، فالعلاقات يؤثر بعضها علي بعض .

 

إن للعلاقات الصحية أسس يجب أن نفطن إليها ، فإذا ما دققنا النظر في العلاقات الناجحة من حولنا نجد أن جميعها تبني علي أساس واحد وهو الشعور بالراحة النفسية عند التعامل لكي نصنفها أنها علاقة صحية ،ومحظوظ من يجد هذه الراحة كي يكمل مسيرة العلاقة فلا يمكن أن تؤسس علاقة مع شخض يثير المشاكل فهو ليس بوسعه العيش بسلام مع نفسه أو الأخرين بل يحاول البحث عن أخطاء الغير.

غير أن المشكلات غير المصطنعة هي الكاشف الحقيقي لمدي صلابة العلاقات أو هشاشتها فكم من أزمات كشفت معادن ناس وأظهرت قوة العلاقات من عدمها ؛ فسرعان ما نجد مشكلة كانت حافزاً في تقوية علاقات ضعيفة وذلك عندما رأي أطرافها رقي التعامل لحظة الخلاف ، وعلي النقيض فكم من علاقات هدمت وكنا نظنها قوية بسبب تخلي أطرافها عن بعضهما البعض وقت الحاجة.

 

فالعلاقات مثل درجات السلم التي تبدأ بالراحة علي أن يكون قوامها الأساسي الإحترام والتقدير بين أطرافها إلي أن نتسلق الدرجة التي تليها وهي العطاء والإهتمام المتبادل وصولاً إلي أعلي درجات السلم وهي التجاوزعن الهفوات والذلات.

 

ومع كل ما يتكبده ويبذله الإنسان أثناء سيره في العلاقات المختلفة ، إلا أنه لا يستطيع الإستغناء والعيش بدون تلك العلاقات ، لا يستطيع العيش دون التفاعل مع المواقف والأشخاص في الحياة باحثاً عن إستقراره النفسي.

 

إن الضامن الوحيد للحفاظ علي العلاقات وإستمراريتها هو رسم حدود لها ومع ذلك يغفل معظمنا عن ذلك ، فالتغاضي عن الحدود لا يعني أبداً عدم الرعاية والإهتمام أو حتي إظهار الحب.

 

ويعد أول خط في رسم حدود العلاقات هو الخصوصية حيث إنها صمام الأمان فلكل إنسان حدود لشخصيته ؛ فالشخص الناضج هو من يحترم خصوصيته من خلال الحدود التي يضعها عند التعامل مع الأخرين كما يحترم خصوصية الأخرين.

 

أما عن الإستقلالية ، فهي تعد من أهم الحدود التي يجب مراعتها في بناء العلاقات ، فمن غير المقبول عند التعامل مع الأخرين أن نملي عليهم كيف يتصرفون وكيف يفكرون أو أن يروا كافة الأمور من خلال أعيننا نحن ، فكل شخص له الحق في أن يحدد إختيارات مختلفة خاصة به هو حتي وإن كانت غير صحيحة أو غير مقبولة من الأخرين

المسئولية أيضا من الحدود الهامة في العلاقات فهي تعني أن يتحمل الفرد تبعات تصرفاته ولا يلقي باللوم علي موقف ما تعرض له أو علي شخص أخر أو أن يبررعدم قيامه بواجباته نظراً لصعوبة الظروف أو الضغوط التي قد يتعرض لها.

 

ويمتد نطاق المسئولية في جوانب عده فالمسئولية تتمثل في تحمل مسئولية الأفعال وردود الأفعال التي يصدرها الشخص تجاه الأخركما تشمل مسئوليته عن كلامه ، عن قراراته، عن الطريقة التي يفكر بها ، وعن الأهداف التي يخططها ويرسمها لنفسه ،فنطاق المسئولية يشمل كافة مناحي حياته التي تخصه بمفرده أو تخص الأخرين عند تفاعله معهم.

 

علي الرغم من أهمية رسم الحدود في العلاقات إلا أن تحقيق التوازن الذي يضمن عدم غياب تلك الحدود الفاصلة مع إستمراية نجاح العلاقة يعد معادلة صعبة تتطلب الجمع بين العقلانية والمشاعر فالإنسان لا يستطيع الإعتماد علي إعمال عقله في كافة تفاصيل العلاقات الإنسانية فعند غياب المشاعر تصبح الحياة بلا معني.

 

وفي الختام أذكركم وأذكر نفسي بأن العلاقات في بدايتها تحتاج إتفاق وفي نهايتها تحتاج أخلاق ، وأن المقياس الحقيقي للعلاقات الإنسانية هي تلاقي الأرواح بالعمق وليس بطول السنين ، وعلينا التروي في إختيار من نقيم معهم علاقات حقيقية حتي لا نصدم بهم ، كما قال سيدنا علي بن أبي طالب “ما خانك الأمين ولكن إئتمنت الخائن” في إشارة واضحة لضرورة التفكر والتمعن في من نعاملهم

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *