google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

والد الشهيد مجند شرطة خالد سمير:” ضنايا يوم استشهاده كان يوم خطوبته ” حكايات الولاد والأرض

بقلم الكاتب محمد نبيل محمد

صباح الجمعة فى الرحمانية، يشبه إلى حد كبير الحال فى معظم قرى الدلتا، وربما فى صعيد مصر، وريفها كله، أناس تكتسى بالطيبة وتتزين بأخلاق أرضها من الكرم تارة ومن البساطة أخرى، والشارع مزدحم رغم البكور، هو ليس يوم فلاحة، إنما السيدات يذهبن للسوق ليشترين حاجات الأسبوع، والأولاد هنا وهناك كفراشات يتنقلن فى خفة ودعة بين طرقات القرية وما بين المحلات الصغيرة المتواضعة، ولكنها تلبى كل الاحتياجات، وعند الشجرة الكبيرة القديمة التى تمتد بجذورها أسفل الطريق العام للقرية، وربما تصل بأفرعها فى باطن السر بين بيوتات القرية وغيطانها كأنها الشجرة الأم لهؤلاء الناس والأراضين، وكما هى فى السر تجمع بيوتات القرية، كانت فى الجهر تظلل منتصف الطريق بأغصانها المتشابكة فى بدع ربانى يأتى بلطيف النسيم ويسمح فقط بنور الشمس دون لهيبها، وتتجمع تحتها سيدات لكل واحدة منهن قصة كفاح ورواية حياة، هن البائعات المربيات للفراريج الصغيرة، وأفراخ البط الممتلئة والحمام النشط، والحاصدات لما نضرمن خضارالأرض وطيب فاكهتها، وبالقرب من حد الشجرة – الأم – الغربى كانت فاترينة إحدى الفتيات التى ورثت الموضع بعد رحيل والدتها لتكمل مشوار تربية أخواتها الصغيرات، كانت تتدلى منها مشغولات يدوية – فى معظمها – من العبايات والطرح، وعلى الأرض تقترش سيدة عجوز شاهدت فى طفولتها البعيدة ذات المشهد عندما كانت هذه الشجرة فى منتصف عمرها، وهى تبيع غزل البنات مرة بمقابل ومرات بابتسمات وإنفراج أسارير الصغيرات اللائى أتين مع جداتهن وأمهاتهن يتعلمن من الكبيرات حياة يوم الجمعة فى الرحمانية، وتحت الشجرة مقصد البلدة وقبلتها فى الحياة، كانت أم العريس – خالد- تنادى فى سيدات وفتيات القرية المجتمعات للحياة، أن يأتين لدارها بعد مغرب اليوم معزومات على الغداء وليمة من أجل خطبة صغيرها خالد فهو سيعود اليوم من جيشه ليشبك خطيبته، فتعالت الضحكات من أفواه قلوبها ودودة ومحبة وبرقت وتلألأت سنات ذهبية لبعض السيدات الكبيرات بعد أن داعبت السنات الذهبيات أشعة الشمسة المتسللة بين أوراق الشجرة العظيمة، وعزفت خلاخيل الأقدام وغوايش الزينة – والزمن! – أنغام الأفراح، وتطايرت الزغاريد حتى تراقصت أغصان شجرة بلدة الرحمانية، وتجمعت، كما تجمعت نساء الرحمانية تهنىء وتبارك لأختهم الحبيبة، والقريبة منهن جميعا، أم خالد، وتفرق الجمع عند تكبيرات آذان صلاة الجمعة، عائدات لبيوتهن يعددن ويطهين طعام جمعة الرحمانية سريعا، وليتفرغن لزينة العرس والفرح، ومن كل صوب – عند آذان المغرب – توارت أبواب البيوتات تفوح منها رائحة الحزن كسحابات تكشف عن خسوف قمر الرحمانية، وإجتمعن عند بيت العريس، جميعهن بالأبيض، متشحات بالصبر، متكحلات بضحكة الشهيد القمرية التى بقيت منه معهن عزاء!، فكانت ليلة زفاف هؤلاء الأمهات لعريس الرحمانيبة، ولم تكن ليلة خطبته.

يحكى البطل والد الشهيد مجند شرطة خالد سمير :”… إحنا من قرية الرحمانية، بلد طيبة وصغيرة فى وسط مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وكل البلد عارفانا وبتحب ابننا خالد، ويم الجمعة أربعة وعشرين ، واحد، 2014 جبل عيد الشرطة بليلة كان يوم الجمعة يوم خطوبة ابنى خالد،… خالد إبنى ابن موت هو مات جبل استشهاده يجى تلات نوبات، الأولى: من وهو عيل صغير ما كملش يجى سنة ونص، كان مع الست والدته وأخوه الكبير إبراهيم، وكانوا رايحين الصبح بدرى على الأرض علشان يروها، وعلى غفلة وجع خالد فى المروة، وكان ح يموت لولا إتلحق بسرعة، والتانية: كان رايح يتهوا شوية، ويتمشى فى مركز الشباب، وهو أدام المورجيحة غصبن عنه اتخبط منها فى آخر دماغة، ووجع على الأرض مغمى عليه، وجرى بسرعة أخوه وعمه على مستشفى ميت غمر اللى رفضت تستلمه لإنه كان تجريبا ميت، وراح عمه وأخوه بيه على مستشفى جامعة المنصورة، وبرضه ما كانش فى مكان لحالته، فراحوا بيه على مستشفى الزجازيج الجامعى والحمد لله إتلحج هناك، والدكتور طلبنى علشان أمضى على إنه يعمله العملية، وجلى ساعتها: ‘ن إبنك فرصته جليلة فى الشفاء، لكن لازم نعمله بذل المية من على نفوخه، وفضلنا فى المستشفى يجى كذا ساعة، وإنفتح باب أوضة العمليات، وخرج الدكتور، وسجد على الأرض لله حمد وشكر، وإتنفض على طوله، وهو بيحمد ربنا ويشكره، وجلى: إنت إبنك إنكتب له عمر جديد، الحمد لله يا حاج، العملية بمعجزة من ربنا نجحت، ولو تسمح لى إبنك يجى الجامعة لمدة ست شهور نتابعه، وأعرض حالته على الطلبة لانهم لازم يعرفوا حالته اللى كانت صعبة جدا وحرجة وربنا شفاه، كان خالد وجتها عمره إحداشر سنة ونص، وكانت النوبة التالتة اللى كان ح يموت فيها لما دخل الجيش، وعند ما جه أول اجازة، أخد الماكنة من صاحبه، وجعد يلفلف بيها فى البلد، فرحان بالاجازة، بس وجع بيها على الأرض، ولفت بيه كذا نوبة على الأرض، كأن الموتوسيكل بجى مروحة، كانت ح تاخد روحه، ولما ربنا ستر، وجومناه من تحتيها، جلى: يا با كنت شايف الموت بعنيا.

خالد ابنى إتولد بعد أخوه الكبير إبراهيم وأخته الأكبرمنهم بسمة، كان ولادة خالد يوم ستة وعشرين، أربعة، 1992 وكان خالد الصغير وسط إخواته، ما كملش تعليمه، واشتغل صنعه ورا صنعه، لحد ما بجى نجاش، أسطى، وكانت يوميته ساعتها خمسين جنيه، وجلت له: يا إبنى، افتح دفتر توفير، وحوش، والجنيه من عرقك أصاده إتنين من أبوك، وكان طول شبابه طيب وحنين عليا أنى وأمه، وكان أمله حاجتين، الأولى: إنه يفرحنى أنى وأمه الست المؤمنة، الطيبة، بالحج والعمرة لبيت الله، وزيارة مسجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك، والتانية: إنه يتجوز فى بيت أبوه، معايا، فى الدور اللى بنيته علشان يتجوز فيه، ويبجى بيته وبيت أخوه إبراهيم معايا فى ذات البيت الكبير، وعند ما جه عمر الجيش، دخل خالد الجيش فى 2013 فى الأمن المركزى، وكان جيشه الأول فى مدينة السلام، وفضل هناك حول كامل، إتناشر شهر بالتمام، عددهم وفاكرهم، وبعدين اتنجل مع شوية من زملاته لمديرية أمن القاهرة، نواحى ستنا السيدة زينب وسيدنا الحسين كدة، واطمنت عليه من مجاورة آل البيت – مدد – وهوكمان ارتاح مع الضباط وزملاته هناك، وبعد ما كان عايز يتنجل من المديرية يرجع مدينة السلام، انبسطت هناك، وبجى حاله عال العال، وشوية كدة وروحنا عند جيران لينا من زمان كانوا جيرانا عند البيت الأولانى الجديم، وكانوا اكتر من اهل ، والله، وجراينا الفاتحة مع الراجل الطيب ابو العروسة، واتفجنا الشبكة يوم أربعة وعشرين، واحد، 2014 وجعدت امحر الشجة واركب الكهربا والصحى والبلاط وكافة شىء لحد ما بجت على سنجة عشرة، وبجت شقة مستنية عريسها، وفى صبح يوم أربعة وعشرين، بعد ما الحاجة صليت الفجر، نزلت على علشان تجيب لاوازم العزومة بتاعة الشبكة، وجبلها كان هو خالد نزل اجازة واشترى طجم ليلة الشبكة، بنطلون وجميص ومداس وكافة شىء جديد علشان يبجى زيه زى عروسته لابسين أطجم جديدة ليلة الشبكة، اللى اتفجنا تكون يوم الجمعة وليلة أربعة وعشرين، والمهم، بدل الست والدته ما تروح وتيجى من المشوار فى ساعتين زى ما كان كل مرة، لا، سبحان الله، كانت متيسرة ورجعت من البلد اللى بعدينا بشوية اسمها سهرجت فى حدود ساعة وبس، وهى بتسوى اللحمة، شوفت أنى فى التليفزيون خبر إنه حصل إنفجار فى مديرية الأمن وإن فيه مصابين وشهداء، جلبى انخلع من مكانه، وصدرى ضاج، والدنيا كأن ما فيهاش شوية هواء صغيرين يدخلوا صدرى، وأنى، وجتها كنت عامل عملية الغضروف بجالى أجل من شهر، وعلى طول جمت على حيلى إزاى ؟! … من عند الله، سبحانه وتعالى هو اللى جدرنى أجوم، وأتنفض، والست والدته ما فيش على لسانها غير: عوضى عليك يا رب، … عوضى عليك يا رب، إن كان إنصاب أو استشهد، عوضى عليك يارب، … مسلمة الأمر ليك يا صاحب الأمر، وبصيت لى وعنيها مرغرغة وصوتها متحاش، جلت لها: انا رايح يا أم إبراهيم، أنى، رايح أشوف خالد جرى له إيه!، يا أم خالد!، وراحت انفتحت فى البكاء، وهى ماسكة صدرها، كأنها ماسكة خالد جواه، وروحت مع إبراهيم الكبير، على المديرية، وفى السكة وإحنا رايحين، جالنا إتصال من واحد من زملاته إن خالد… ، خلاص، بجى شهيد، وراح عند ربه، كنا لسه عند كفر شكر، ساعتها وحدت الله وجلت: لا اله الا الله محمد رسول الله- صلى الله عليهوسلم وبارك_ يوم خطوبته يارب؟، وبصيت فى السماء وجلت لربى: اللهم لا إعتراض، اللهم لا إعتراض، حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى أذوك يا ولدى ، حسبى الله ونعم الوكيل، فوضت أمرى وأمرك لحاكم جبار منتجم، ربنا ينتجم من اللى كسر ضهرى وجتل ضنايا يوم فرحه، انت المنتجم الجبار يارب.

ووصلنا المديرية على بعد صلاة ضهر الجمعة، وجلت للضباط اللى أدام المبنى المنفجر: أنى أبو خالد، ده مجند عندكم هنا، طمنونى عليه، الله يطمن جلوبكم على ولادكم، وجانى ضابط ابن حلال أخدنى لمستشفى أحمد ماهر، وجلى: شوف إبنك, هنا وسط الشهداء دول، وفتح أربع تلاجات، وعند ما شوفته،… كان عريس، والله عريس، زى البدر ليلة كماله، ما جدرتش امسك دموعى، وفضلت أحب على رأسه الطاهرة، وأجوله: شهيد يا خالد، شهيد يا بطل، عريس يا خالد عند ربك إن شاء الله، ولحد ما الضباط مسكوا يدى، وجالوا لى: إنت راجل مؤمن، إبنك شهيد، خالد بطل يا أبو الشهيد، … وخلصت الإجراءات، واستلمت خالد من مشرحة زينهم، وعلى المغرب كنا فى طريجنا للبلد، والشرطة عملوا ليه تشريفة فى مدخل البلد، ووصلنا مدافن الرحمانية فى بلدنا يجى الساعة واحدة، والبلد كلها صغير وكبير واجفين، يكبروا، وينادوا على الشهيد، وهو كان عارف أهل بلده واحد واحد، كان كل ما يعدى على واحد من البلد يميل عليه ويسلم … ازيك يا عم الحاج فلان، ازيك يا عمتى، ازيك يا خالة أم فلان، كلهم حبايبه، وكلهم مش بس عارفينه، ده كلهم بيحبوه، ومع كل واحد من البلد ليه موجف طيب مع خالد، وفضلت أمه وأخته بسمة وستات البلد يزغرطوا ، كأنهم فى ليلة فرح، معلوم، كانت الليلة دية كل حاجة فيها متجهزة علشان تكون ليلة خطوبته وشبكته على بنت الحلال عروسته، إنما ربنا سبحانه له جكمة ،وأراد فى ملكه ما أرادـ وكان خالد ليلتها عريس إنما للحور العين ، ومغ صحبة النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

وبعدها، زى ما خالد كان أمله أنه يحججنى أنى والست أمه، استشهاده كان السبب إن البلد والداخلية كرمونى أنى ووالدته برحلة حج وعمرة، وبعدها الملك سلمان طلع اهالى الشهداء تانى حج وعمرة، وبسبب الشهيد حجيت وإعتمرت أنى والست أمه مرتين، زى ما كان عايز وبيتمنى، علشان يرد الجميل ليا أنى وأمه، والحجيجة إن البطل هو اللى شرفنا ورفع رأسنا، كفاية إنه شهيد، طبعا الفراج مر وصعب، إنما إحنا ناس مؤمنة ومسلمة أمرها لله، حسبى الله ونعم الوكيل، والداخلية ربنا يكرمهم، شغلوا إبراهيم أخو الشهيد فى سجل مدنى فى بلد اسمها أو ليلة، بس كانت بعيدة عننا أوى، وكان بيركب ليها أربع مواصلات، ولما روحت للضباط الله يسترهم وطلبت منهم ينجلوا إبراهيم لمكان جريب علشان يوفر فى مصاريف السفر كل يوم على طول نجلوه لسجل مدنى بلد ميت أبو خالد جريبة خالص مننا، والحمد لله أحسن من الأول هو كان شغال سواج فى مدينة العاشر من رمضان ولما اخوه استشهد الداخلية شغلته كويس الله يسترهم، وعلشان الشهيد كان بيحب ولاد أخوه إبراهيم، فاطمة الكبيرة كان عمرها أربع سنين وجت استشهاده، والواد الصغير محمد كان متعلج به أوى، وكان عمره وجتها يجى سنتين، وكان كل ما ينزل اجازة من الجيش يجيب لهم حلويات ولعب وحاجات كتير، وهما يفرحوا بيه أوى، وكمان ولاد أخته بسمة الكبيرة، البنت روان كانت فى الإعدادية وجتها، والصغير حازم، وكلهم كان متعلق بيهم وبيحبهم كأنهم إخواته وولاده، علشان كدة الست والدته، أم الشهيد، لما كنا فى الحج، هى بتحب من ساعتها الناس وأنى نناديها: أم الشهيد، وهى ساعتها جالت: فلوس الشبكة بتاعة الشهيد نشترى بها تلات سلاسل عليها صورته فى كل واحدة منهم، وأديت لما رجعنا لروان بنت أخت الشهيد وبطة بنت أخو الشهيد وبنت أختى أنى، كل واحدة سلسلة عليها صورة الشهيد، وأنى بفضل الله عملت للشهيد براد مية عند الببت، وعند مدرسة الرحمانية الإعدادية اللى سمتها البلد على اسمه، وبجت مدرسة الشهيد خالد سمير الإعدادية، وبراد مية عند جبره فى المدافن، وعملت شجته دار تحفيظ قرآن رحمة ونور على روح الشهيد.

والناس اللى فضلوا بجوا يعزونى منهم ناس شافته جبل ما يسافر آخر نوبة من اجازته على الجيش، وبدل ما يمشى من ناحية الشارع اللى يمين البلد فى طريجه على بره البلدـ راح عند المجابر وفضل شوية، وكان واجف عند الجبانة وساكت، كأنه بيكلم حد منهم!”.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *