google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

حسين صدقي الفنان الملتزم وكان يا ما كان

كتب – محمد السمان :

أثرى الفنان حسين صدقى قبل إعتزاله الفن فى ستينيات القرن الماضى السينما المصرية بالعديد من الأعمال الفنية الهادفة التى لا تخلو من العلم والحكمة والأخلاق، لذلك أطلقوا عليه داخل الوسط الفنى “الفنان الملتزم”.

ولد حسين مرسى صدقى فى التاسع من يوليو عام1917 فى حى الحلمية الجديدة، وسط أسرة ثرية تملك العديد من الأراضى الزراعية”الأطيان” لأبٍ مصرى وأمً تركية، أنجبا ثلاثة أنباء أصغرهم”حسين” الذى حرم من حنان الأب ولم يتجاوز سن الخامسة، فتحملت الأم تربية أبنائها وإتجهت بهم إلى التربية الإسلامية، فدفعت بهم إلى الذهاب للمساجد وأداة الصلاة فى وقتها وخاصة صلاة الفجر فى المسجد وحفظ القرآن الكريم والأحاديث، وحضور حلقات الذكر وسماع قصص الأنبياء لتعلم منها، كما حرصت على ملازمتهم العلماء الأزهرين حتى تكون صحبتهم صالحة، فأصبح أبنائها صالحون وملتزمون ديناً

ظهرت عليه ملامح حب التمثيل في سن صغيرة، وإن كانت تجلت في أسلوبه الخطابي وجرأته على مواجهة الجمهور حتى لو كان من الزملاء في الحي أو المدرسة.

درس «صدقي» التمثيل في الفترة المسائية بقاعة المحاضرات، بمدرسة الإبراهيمية، وكان زملائه جورج أبيض، وعزيز عيد، وزكي طليمات، وغيرهم، ثم حصل على دبلوم التمثيل، بعد دراسة استغرقت عامين.

اتسم «صدقي» بالخجل، ولقبه كل من حوله بالشخص الخجول، حيث كان يجلس في المقاهي بالقاهرة، ومن بينهم مقهى «ريجنيا» و«راديو» بشارع عماد الدين، يشرب كوب الينسون، ويستمع إلى أخبار الفن والفنانين، ثم يغادر باكرا.

شاهده صديقه المخرج محمد عبدالجواد، فشجعه على الدخول في عالم التمثيل، وكانت فرقة «جورج أبيض» على مسرح رمسيس أول مكان يعمل فيه «صدقي»، وبعدها انتقل من فرقة مسرحية إلى أخرى، ليصل إلى فرقة «فاطمة رشدي» التي أسندت إليه عدد كبير من البطولات، فقام ببطولة مسرحية «ألف ليلة وليلة»، ليحصل على استحسان الجميع.

في عام 1936، بدأ يوسف وهبي موسمه المسرحي بتمثيل مسرحية «رجل الساعة»، فأسند إلى «صدقي» دورا فيها ولكن عندما قرأ الدور رفض بشدة لأن الدور لشاب ينزلق مع زوجة أبيه وهو ما لا يتناسب مع أخلاقه ليكون بهذا أول ممثل يرفض مثل تلك الفرصة الذهبية.

جاءته فرصة عمره عندما شاهدته الفنانة أمينة محمد وساعدته يقدم أول بطولة سينمائية له في فيلم «تيتاوونج» عام 1937، إخراج أمينة محمد، والفيلم يدور حول الفتاة التي ولدت لأم صينية لا يعلم والدها أنها ليست ابنته، وعندما يعلم عمها بحقيقتها، يبتذ والدتها، ويجبر الفتاة على العمل كفتاة ليل، ثم تقع في حب جارها المحامي الوسيم والذي يلعب صدقي دوره، ويغير حياتها تماما.

حقق صدقي نجاحا ورواجا كبيرا بعد تقديم دوره في فيلم «تيتاوونج»، ليشارك في عدد كبير من الأفلام ليشارك في أفلام «عمر وجميلة، وثمن السعادة، وأجنحة الصحراء»، لكن انطلاقته الحقيقية كانت في فيلم «العزيمة» مع فاطمة رشدي عام 1939.

واستطاع «صدقي» بفيلم العزيمة الذي لعب فيه دور «سي محمد» الشهير، تقريب السينما المصرية من روح الحياة المصرية، بعدما كانت تسير على خطوات السينما الأجنبية، وعرض المشاكل التي يمر بها الشباب في فترة الثلاثينيات، ويعتبر أول فيلم مصري واقعي صور الحارة المصرية، كما صنف ضمن أفضل 100 فيلم بالسينما المصرية.

كثرت حول الفنان الشائعات مما حوله دنجوان

شكل «صدقي»، وليلى مراد، ثنائيًا ناجحًا، حيث اشتركا في عدة أفلام تحمل طابعا رومانسيا، أشهرها فيلم «ليلى في الظلام» عام 1944، وانطلقت العديد من الشائعات حول قصة حب كبيرة بين البطل والبطلة تدور على أرض الواقع خاصة بعد حدوث مشكلات كبيرة بين ليلى ومراد، وزوجها أنور وجدي، أدت إلى الطلاق.

ولم تكن «ليلى»، الفنانة الوحيدة التي انطلقت شائعات تربطها بـ«صدقي»، بل أيضا الفنانة تحية كاريوكا التعي كونت مع «صدقي» شركة إنتاج.

أما الفنانة فاطمة رشدي فلم يكن «صدقي» الفنان الوحيد الذي أدى أمامها أدوارا مميزة وعلامة فارقة في حياته الفنية ليصبح بعد ذلك أحد نجوم الفن، وعندما قدم معها «صدقي» فيلم «العزيمة» كانت قد انفصلت عن زوجها الفنان عزيز عيد وبدأت قصة حب ومن ثم ارتباطها بالمخرج كمال سليم الذي أسند إليها أهم أدوارها «العزيمة» بطولة أنور وجدي، وحسين صدقي، وماري منيب، عوباس فارس، وزكي رستم، لكن أيضا خرجت شائعة عن علاقة حب تربطها بـ«صدقي»، وكذلك الحال أيضا مع ليلى فوزي وصباح

أما زوجته سميرة المغربي، فنشأت مثله في أسرة ميسورة الحال وكانت متابعة جيدة لعالم الموضة والأزياء، تزوجت من «صدقي» في 9 يوليو 1917، وكان شابًا وسيمًا، هادئ الطبع، طيب القلب، وأنجبا 8 الأبناء، 5 ذكور و3 بنات، وظلت تعيش في بيت زوجها، كما كانت تعيش في بيت أبيها، مغرمة بالموضة والأزياء، وقالت قبل رحيلها: «إنها رغم جمالها لم تنخرط في الوسط الفني لرفض زوجها الشديد لهذا وهو ما نراه في حرصه التام على ابتعاد أولاده عن هذا الوسط».

اشتهر حسين صدقي بتقديم الأفلام ذات الطابع الاجتماعي الهادف والذي يدعو الى القيم والمثل العليا، كما قدم أيضا الأدوارالرومانسية، فقدم مجموعة من الأفلام الهادفة بلغت اكثر من 35 فيلما منها ” طريق الشوك، العزيمة، الأبرياء، الذى عالج فيه قضية الطفولة المشردة، “المصرى أفندى ” الذى عالج فيه قضية القضاء والقدر، وكان قد أوحى إليه بقصته صديقه الشيخ محمود شلتوت الذى كانت تربطه به صداقة قوية بحكم الجوار؛ ويصف شلتوت صدقى بأنه رجل يجسد معانى الفضيلة؛ ويوجه الناس عن طريق السينما إلى الحياة الفاضلة التى تتفق مع الدين.

وفي فيلم “معركة الحياة “قدم قضية الصراع بين الخير والشر، وفى “البيت السعيد” ينظم العلاقة داخل الاسرة الواحدة، ثم جاءته فكرة فيلم “العامل “عام 1942 الذى يناصر العمال ويناقش أوضاعهم وقضاياهم من حيث الأجور والتأمينات وساعات العمل، وشجعه المخرج أحمد كامل مرسى بالموافقة على إخراجه اعترض على عرضه الملك فاروق فى ذلك الوقت وأصدر وزير الداخلية الوفدى فؤاد سراج الدين قرارا بمنع عرضه فى السينما.

أيضا فى فيلم “يسقط الاستعمار” الذى دار حول معركة المصريين مع الإنجليز فى منطقة القناة عام 1951 وقد رفض الملك فاروق ايضا عرض هذا الفيلم ولم يعرض إلا بعد قيام الثورة وخلع الملك.

وبعد زواج الأميرة فتحية شقيقة الملك من رياض غالى وما أحدثه من ضجة فى مصر قدم فيلم “الشيخ حسن ” ينظم العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر التى ساءت بسبب زواج فتحية من رياض غالى المختلف الديانة..

ونظرا لطبيعة الافلام التى يقدمها والتى تكون دائما بعيدة عن اهداف المنتجين أسس صدقى شركة “افلام مصر الحديثة” أنتج وأخرج من خلالها عددا من الأعمال السينمائية وكان أول فيلم من إخراجه ” غدر وعذاب ” عام 1947 وكان آخر فيلم “خالد بن الوليد ” عام 1958 وكان يتمنى أن يستمر فى اخراج افلاما عن شخصيات دينية شهيرة.

تحية كاريوكا فى احب البلدى
شارك المخرج حسين فوزى والراقصة تحية كاريوكا فى تكوين شركة إنتاج باسم شركة أفلام الشباب وكان أول انتاجها فيلم ” أحب البلدي ” لكنه لم يكن راضيا عن قصة الفيلم ورفض التمثيل فيه ليستقل وحده بشركة خاصة للانتاج باسم شركة افلام مصر الحديثة.

وبالتوازى مع الانتاج اتخذ حسين صدقى طريق العمل الحر فافتتح مقهى فى شبرا وقام بالاشراف بنفسه عليها وازدحمت القهوة بالرواد الذين حضروا لمشاهدة النجم الكبير يحاسب الزبائن وحققت المقهى إيرادا خياليا.

أوصى الفنان حسين صدقي قبل وفاته بحرق كل أفلامه إلا فيلما واحدا حيث قال لأولاده: (أوصيكم بتقوى الله واحرقوا كل افلامي ما عدا سيف الله خالد بن الوليد.) ذلك الفيلم الذى تنازع على تمثيله مع الفنان فريد شوقى واضطر الى إنتاجه رغم ضخامة هذا الانتاج ليفوز ببطولته فى النهاية.

صداقة شيخ الازهر
ايضا كان صدقي يرتبط بصداقة قوية مع الشيخ عبد الحليم محمود ــ شيخ الأزهر وقتئذـ حيث كان يستشيره فى كل أمور حياته وعمله بالتمثيل حتى وصل معه الى قراره بالاعتزال عام 1956.

نائب فى البرلمان
بعد اعتزاله الفن وبناء على رغبة أهالي الحي الذي ولد فيه قررالترشح في مجلس النواب عن دائرة المعادى، وتقدم بكثير من الاقتراحات والمشروعات من بينها منع تداول الخمور فى المحلات والنوادى إلا أنه اصطدم بتجاهل المسئولين لما يقدمه، ولم يكرر هذه تجربة الانتخابات.

اعتزل الحياة الفنية واكتفى بمباشرة التجارة وبناء وبيع العقارات، والغريب أن اولاده بعد رحيله قاموا بحرق أفلامه التى كان يحتفظ بها فى منزله التى كان قد أنتجها.

توفي في 17 فبراير 1976 عن عمر يناهز 59 عامًا، وقبل وفاته أوصى أولاده قائلا: «أوصيكم بتقوى الله.. وأحرقوا كل أفلامى ماعدا سيف الإسلام خالد بن الوليد، لأنها من وجهة نظره حرام، كما أنها تقلل من رصيده عند الله كلما شاهدها أحد، حسبما ذكرت زوجته في أحاديثها الصحفية

وأقيمت له جنازة متواضعة لم يحضرها أي فنان، وتداولت الصحف والمجلات أخبارا عن وفاته، ونعت فتى فتيان السينما المصرية في الستنيات والسبعينيات، الذي لعب دور الواعظ والناصح والمرشد الاجتماعي.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *