google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

فروا ألى الله-وودعوا بالتوبة عاما مضى-واستقبلوا بالخير عاما أتى

كتب – السيد بكري

أيها الأحبة: ليل يتبعه نهار، ونهار يعقبه ليل، وعام يمضي وآخر يأتي، سُنة ثابتة جرت عليها هذه الحياة الفانية حتى يموت الأحياء، وعلى إثرهم تموت الحياة؛ فالناس في سفر دائم، والزمان يسوقهم والموت ينتظرهم، ولا يزالون مسافرين حتى يصلوا إلى الوطن الأخير؛ إما الجنة وإما النار، وصدق الشاعر حيث قال:

 

فالعيشُ نوم والمنيّة يقظة ** والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ

 

والناس – مع مرور الزمان أصناف ثلاثة: صنف يمضي بهم الزمان وهم غافلون عن الاعتبار بمضيه، تسير بهم الحياة إلى نقصان الأعمار، ولقاء الآجال وهم مع ذلك لازالوا غافلينَ)[الزمر:47].

 

وصنف نظروا إلى تصرم الأيام، وتعاقب الأعوام نظرة تفكر بلا عمل، ونظرة حزن على سرعة انقضاء الزمن من غير تصحيح مسارهم المعوج، وسرعان ما يذهب ذلك التفكر اللحظي بعودتهم إلى لهو دنياهم.

 

وصنف آخر-وهم أهل اليقظة من الأنام- الذين يعتبرون ويعملون؛ فقد تأملوا في ذهاب الليالي والأيام فساقهم ذلك إلى التوبة من الزلل، والاستعداد بصالح العمل، وتهيئة النفس بزاد التقوى لملاقاة الأجل.

 

ألا فلنكن من أهل الاعتبار والعمل؛ فهذا العام الذي جاوزناه مرحلة من مراحل هذه الحياة القصيرة التي يصيبنا منها أيام يسيرة؛ فهو يذكرنا بأن هذه الدنيا لا تدوم، بل هي إلى الزوال صائرة، وبمن فيها إلى الفناء سائرة، مهما تزينت وحَلَت، واتسعت وعلتَ)[يونس:24].

 

فلا يغترن أحد بحياة فانية؛ فينسى بها الحياة الباقية، وإننا في آتي الأعوام سنودع مَن بعدنا كما ودعنا من قبلنا في هذا العام؛ فنصير خبراً كما صاروا اليوم لدينا أخبارا، قال الشاعر:

 

حكمُ المنيَّة في البريَّة جارِ ** ما هذه الدنيا بدار قرارِ

 

ومرور العام وذهابه يذكرنا بذهاب الأعمار وانقضائها؛ فكلما انقضت سنة من سنوات الحياة انقضى جزء من أعمارنا فاقتربنا من آجالنا ولقاء جزاء أعمالنا؛

 

قال الحسن البصري-رحمه الله: يا ابن آدم: إنَّما أنت أيامٌ مجموعة، كلّما مضى يومٌ مضى بعضُك.

 

وقال -رحمه الله-: ابنَ آدم: إنَّما أنت بين مطيتين يُوضعانِكَ-أي يسيران بك-، يُوضِعُك النهار إلى الليل، والليل إلى النهار، حتى يُسلِمَانِك إلى الآخرة.

 

إن أحسن ما نقوم به ونحن نودع عامنا الميلادي أن نقف على مشارفه وقفة محاسبة شاملة لما قدمنا فيه؛ فإن أهل التجارة يقفون على رأس كل عام وقفة محاسبة؛ يحسبون ما لهم وما عليهم، وما ينبغي أن يفعلوه في قادم أيامهم، أليس -يا عباد الله- أولى بأن نقف كذلك مع أعمالنا؟ حتى نتوب من ذنب ارتكبناه، ونجدد العزم على عمل صالح عملناه]

 

ألا فلنحاسب أنفسنا مع ربنا فيما جرى منا هذا العام: هل امتثلنا أوامره، واجتبنا زواجره، ووقفنا عند حدوده؛ فإن حق الله عظيم، وعقابه على التفريط فيه عقاب أليم.

 

ولنحاسب أنفسنا: هل حفظنا دينه ورفعناه، وعملنا به وأظهرناه، ونشرنا نوره ونصرناه.

 

ولنحاسب أنفسنا: هل كنا مع أمتنا في أفراحها وأتراحها؛ نفرح لعزها وسلامتها، ونحزن لآلامها وأوجاعها، أم أننا عشنا هذا العام لأنفسنا وشهواتها، وتناسينا أحوال أمتنا التي تجمعنا؟

 

ولنحاسب أنفسنا: هل أحسنا إلى الناس، أم أسأنا إليهم، هل صنعنا لهم الخير، وكففنا عنهم الشر، وهل اعتبرنا بمن ماتوا هذا العام وفارقوا الدنيا ولكن في أعناقهم حقوق للعباد؛ فهل نحب أن نلقى الله ونحن كذلك؟

 

فيا خسارة من أتاه أجله وفي رقبته مظالم للناس من دم أو مال أو عرض؛ فإن هذا هو الإفلاس العظيم،”

 

فطوبى لعبد وقف هذا الوقفة في وداع عامه، فرجع فكره إلى ما قدم فيه من الأفعال فإن وجد سوءاً تاب إلى الله منه، واستغفر من خطيئته، وكف عن مقارفته والعودة إليه، وإن رأى أنه أخذ حق أحد ظلمًا ومنعه حقاً له، فليعد الحقوق إلى أهلها، وليخلص رقبته منها، وليعتبر بمن ماتوا من الأقارب والأصحاب، والجيران والأحباب، فلقد صاروا مرتهنين بأعمالهم، ولا أمل لعودتهم إلى دنياهم

 

نسأل الله أن يغفر لنا ما اكتسبنا هذا العام من السيئات، وأن يتقبل منا ما عملنا فيه من الصالحات.

 

أحبتي: إذا أفلتْ شمس عام رحل؛ فقد أشرقت شمس عام أقبل، فيه فرصة من الزمان لمن مُد في أجله، يستطيع فيها استدراك ما فات، وإصلاح ما هو آت؛ فها هو العام الجديد-معشر المسلمين-يحط رحله بيننا، فما نحن عاملون فيه؟.

 

والعاقل منا من يستقبل عامه الجديد بالعزم على استغلال وقته فيما يقربه من ربه، وينفعه في أمر دينه ودنياه؛ فلا يقطع زمنه باللهو والعبث، وما يعود عليه بالعواقب الوخيمة

 

ويستقبل العام الجديد بالحرص على الاستعداد للآخرة؛ فإن الأعمار محدودة، والأيام الدنيوية معدودة، ولا يدري الإنسان متى يأتيه رسول ربه يناديه بالرحيل، فالفائز من سابق واستعد؛

 

أيها الأحبة: لقد هل العام الجديد صفحة بيضاء ستسطر فيها أعمالٌ وأحداث؛ ألا فاستقبلوه بصفحة نقية مع الله بتوبة عجلتموها، ونية صالحة للخير بيّتموها، وعزيمة للمنافسة في البر قد أعددتموها.

 

واستقبلوه -أيضًا- بصفحة مشرقة للحياة؛ فإن آلامتكم أحداث عامكم الراحل؛ فتفاءلوا بعامكم النازل، وأملوا في الله خيراً فيه، واسألوه أن يجعله عام خير واطمئنان

 

ودِّعوا بالتوبة النصوح عامًا مضى، واستقبلوا بالاستعداد للخير عامًا أتى، ولتكن هذا العام أعمالكم أحسن من سالف الأعوام، وأيامكم فيه أجمل من ذاهب الأيام

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *