google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

القوة الناعمة وعودة الروح للشخصية المصرية برامج التوك شو والوصاية المستحيلة

بقلم الكاتب / محمد نبيل محمد 

منذ أن ولد التلفزيون كان عملاقا فى مضمون رسائله، وأيضا كان القائمون على صناعته عمالقة وطنيين وعلى وعى ودراية بطبيعة رسالتهم تجاه الوطن، يبنون مع البنائين فى السد العالى، ويخضرون مع الفلاحين فى الصحارى، ويتصببون عرقا مع العمال فى مصانع الحديد والصلب والألومنيوم والغزل والنسيج والزيوت و.. ويفرحون بإنتاج أول سيارة مصرية، كما ذهب التلفزيون إلى ماهو أبعد من ذلك وسبق بأربعين عاما جوزيف ناى وزملاءه الأوائل المنظرين لمفهوم القوة الناعمة. فقد ذخر الإعلامى المصرى للوطن سلاحا من أهم أسلحة القوة الناعمة فانتشرت اللهجة المصرية فى بوادى وسواحل وأحراش المحيط العربى والإمتداد الإفريقى،

 

فأضحت مصر ديوان العرب وباحة الأفارقة، فهانت المسافات واقتربت الأزمنة لصانع القرار واستمعت وأطاعت الجموع لكلمة مصر، وأضيف أنهم صاغوا حالة من الوجدان الجمعى المتوحد بقضايا المنطقة فكانوا يجمعون ولا يفرقون، وليس طرافة أن أتحدث عن إعجاب أحد الزملاء فى إحدى الفرق الدراسية من السودان عندما أكد أن برنامج نادى السينما وما يقدمه من نقد فنى للفيلم محل العرض قد خلق حوارات فنية راقية ومطلعة بين أقرانه، وبرنامج عالم البحار وشقيقه عالم الحيوان أثرى من الثقافة الترفيهية الكثير من أجيال الخليج، والبرامج الإخبارية كأحداث 24 ساعة وأخبارالأسبوع وبيت العرب، وسينما الأطفال وماما نجوى وغيرها، وحديث الشعراوى وأذان الشيخ رفعت و.. ويقاطعه آخر من الخليج ليقول بالحرف:التلفزيون المصرى لمَّ العرب! الغريب أن كل تلك البرامج تعاد على محطات إذاعية وتلفزيونية خصصت لزمان البرامج الجميلة، أما الآن على طريق برامج التوك شو المستوردة من “الفورمات” الأمريكية والأوروبية والمذيعة الأشهر أوبرا وينفرى، والمحامية الأمريكية شينديلين جوديث مقدمة برنامج القاضية جودى، والبريطانى جيرمى كلاركسون صاحب توب جير، وديفيد ليترمان مقدم ذا ليت شو، وجون ستيورت وبرنامجه الساخر ديلى شو، السؤال:هل هؤلاء الإعلاميون ومن ورائهم من كيانات إعلامية ونتفق جميعا (أو معظمنا) على توجهاتهم السلبية ناحية الشرق وعلى الأخص مصر، هل يخرجون على جمهورهم لهدم النسق القيمى وبث الفرقة بين فئات المجتمع و.. وعندنا الآن النوابغ من الإعلاميات، فمنهن من تتحدث عن العلاقات الجنسية الطبيعية والشاذة بمنتهى الصراحة الفجة وتدعى أنها فى مصلحة المرأة وأسرتها، والأخرى تحت ستار علاج الأطفال تحرض (جهلا) على تجارة الأطفال وسرقتهم، وثالثة ببلاغة غريبة تسيئ لعلاقات مصر بمحيطها العربى من المغرب إلى الخليج، والأخيرة تتناول جرعات الهيروين على الهواء مدعية تنفيذها الوعد (ونعم الوفاء)، وعندنا أيضا النوابغ من الإعلاميين، فأحدهم لاحيلة له إلا تقديم المخرفين والدجالين والملحدين، وثان يخرج علينا فى ثوب جديد على نفقة أموال المصريين ويوقع الفتنة فى صفوف المقاتلين ويدعى أن زوجاتهم تطلب المأوى والمأكل وزوجها يحارب (لك الله يا مصر) وعندما يعاتبه (فقط يعاتبه) المجتمع ينتفض ويدافع عنه زمرة منتفعين، ويبالغ أحدهم أنه قدم رقبته على مقصلة الجماعة الإرهابية إعلاء للوطنية، وأنه لسان حال الثورة، ويزايد على المصريين بأنه لم يبع الوطن للإرهابيين، فى حين أن مواقع التواصل تتداول حلقاته التى خصصها للإرهابيين على أنهم منظمون ووطنيون وأكثر وجودا على الأرض و..، (أيها الخجل أين حمرتك؟!) ولأن الأساتذة فى كلية الإعلام قد علمونا أن من كلاسيكيات أدبيات الإعلام أن القاعدة الأهم (ليس الخبر أن يعض الكلب رجلا بل أن يعض الرجل كلبا) وربما من هذا المنطلق هجر بلاط صاحبة الجلالة بعض الصحفيين، ورفض مجال التسويق موزعو الموسوعات والكتب وغيرهم، وأصبحت لهم صولات وجولات فى ميادين التوك شو فاعتمدوا كل ماهو غريب وشاذ ومهرطق ومشعوذ، وليكون المادة الإعلامية الجالبة لإعلانات المنتجات العابرة للقارات هى المستهدف وليس جمهور المشاهدين، وتجاهلوا بعلم وتعمد باقى دروس الإعلام ومنها معاييرالمهنية وأخلاقياتها ومواثيق الشرف.. أين المهنية والاحترافية؟ بل الأهم أين الوطنية والشعور بالمسئولية تجاه الوطن؟ وإذا لم تصطف كإعلامى خلف قواتك وإذا لم تتخندق مع جمهورك تواجه معه تحديات الوجود والبقاء، فمتى عليك أن تمارس وطنيتك؟ ادعاء العلم والوصاية على المشاهدين والتباهى بالاقتراب من المسئولين والبذخ ورغد الحياة والشهرة وما تبعها من ثروات تسكنك قمة الأبراج العاجية كلها من صنع مشاهدات الجمهور، ومن صنع الصنم بكل سهولة يستطيع هدمه ولن يحرك الصنم ساكنا، هل من الطبيعى والمنطقى أن يخرج علينا المذيع النجم يطالبنا بالتبرع للمحتاجين والبردانين والمرضانين والفقراء وهو يرتدى ساعة مرصعة بالألماظ تشكل ثروة ربما يتقاسم ثمنها مجموعة شباب بأكملهم ليتموا نفقات زواجهم، وبدلة تتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات ويبدأ فى النحيب والبكاء على الفقراء، تارة، وآخر تحت مظلة حرية التعبير يبدأ فى تمزيق الوطن وإظهاره وكأن الجهل والمرض هما بطلا المشهد، ويتخطى إلى التنظير بتقديم حلول لمعضلات السياسة، وادعاء العلم فى كيفية إدارة الاستثمار القومى، والأروع هو السبق إلى حياكة فتاوى دينية حسب الموقف، لم لا وهو النجم المذيع والضيف المفروض على الأسرة من قبل الفضائيات – التى سيأتى الحديث لاحقا عن المفارقة بين أهدافها المعلنة والمسكوت عنها – دون سبب إلا لتراجع التلفزيون المصرى، وأتذكر عندما فاز بوريس بيكر ببطولة ويمبلون للتنس وانتزع البطولة من أربابها الأمريكان والإنجليز تجمعت ألمانيا وتوحدت إمكاناتها لتكرار الفوز وتأكيد أنه ليس صدفة ونحتت مصطلح (كيف تصنع نجما)، وهذا الكتاب أصبح الأوسع انتشارا فى أوروبا وأمريكا، وتم تطوير النموذج لينسحب على صناعة النجوم السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين ومشاهير هوليود وبليود وطبعا نجوم التوك شو!!

 

هذه النماذج من الإعلام متى ستعتذر لجمهورها؟ ومتى ستحارب مع جيشها؟ وهل تتوقع إعادة برامجها بعد عشرات السنين بوصفها من كنوز الشاشات المصرية؟! وإلى الجمهور الذى يملك زمام إرادته:هل هذه النماذج تمثل إعلام دولة تحارب الإرهاب وتبنى المستقبل؟ نتحدث عن الإعلام السلبى وليس الإيجابى بالطبع.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *