google-site-verification=e2DmWX0gwfReVFQpzcu4ly1zLPF-RUvuc6uHqoZo_ik

زوجة الشهيد امير عوض :” خدم فى سيناء منذ تخرجه حتى استشهاده”من حكايات الولاد والارض

بقلم- الكاتب محمد نبيل محمد

كان البيت مزدحم ومتشح بالسواد, الكثيرون يأتون فى صمت صارخ, ويمزق السكون الحزين بعض كلمات المواساة المتناثرة التى تعلو هنيهة وتخفو بتمتمات مؤمنة وهمهمات خجلى, ويغادرون بعد وقت وجيز ربما ليفسحوا المكان للقادمين أمثالهم بعدما يتركون قبلاتهم على رأس جميلة ويمين حليمة, وكنت انصت إلى ترتيل القرآن الكريم فى خشوع وقلبى يردد آيات الكتاب الكريم وانطق بيقين ان كلام الله صدق ووعده تعالى حق, نعم حبيبى لم يمت, ويأتى هذا الصوت الذى اعتدته منذ شهر أوأكثر بقليل يهمس فى أذنى, فأرفع رأسى لا نتبه جيدا, باحثة فى دهشة عن مصدره الخفى, واتلفت يمنة ويسارا علّى أكتشف ضالتى, وعبثا كما كان من قبل, افتش عنه ولا أجده, وما ألبث أن استسلم لكونه هاجس لا وجود له, إلا ويباغتنى مرة أخرى بالهمس, ويعود معه الوخز فى قلبى مجاورا لصدى الهمس, كان يُسّر إلىّ من قبل بأن حبيبى مفارق وانه شهيد, وكنت ابتعد هاربة, مذعورة من هذا الصدى الآتى من أعماقى, الا انه كان الآن كان رئيفًا بى لانه جائنى بصوت أعرفه واتلهف لسماعه, هو أمير قلبى, نعم هو! ولا عجب فى ذلك, لكنهم, كل الحضور من هؤلاء لن يصدقونى إذ قلت لهم أن امير الذى اتوا الليلة لمواساتى فيه, هو من يحدثنى, لا لن أنشغل بالتفسير لهم, بل المهم اننى الان عدت سعيدة كما كان يحدثنى بعد غياب طويل فى سيناء فتدب الحياة فى أوصالى ويُجملنى الله فى عينه, ليقول لى كما اعتاد فى كل مرة :” يا نورا كل مرة ارجع فيها من سيناء اشوفك زى أول يوم, عروسة فى عينى” فأبستم وتحمر وجنتاى والتفت هذه المرة ابحث عن موضع يستر خجلى, وأعود استقوى به, وهذه المرة علت الابتسامة لضحكات سعيدة كأننى عدت عروسة من جديد, وهو يحتضن يدى التى تلهفت له, ويحدثنى عن جميلة وأحوال حليمة, ويقترب منى ويهمس فأضحك ويضحك هو …

تحكى البطلة الشابة الصغيرة بعمر الأعوام التسعة التى ضمتها مع حبيبها وكأن هذه الروح البطلة ظلت ابنة الاعوام التسعة, هى نورهان أو نوراكما يلو لها ان تسمع اسمها كما كان يناديها أميرها (الشهيد) وتضم الزوجة البطلة زهرتيها جميلة الكبرى وحليمة الصغرى إلى صدرها تحتمى بهما أو تحتضن فيهما أميرهم, وتبدأ من سيناء الذى ما ان تخرج أميرها فى الكلية الحربية وتقول من أول يوم شاركتنى سيناء فى أميرى أو يمكن انا اللى شاركتها فى البطل , وتعود لميلاد أميرها وكأنها أمه تتذكر يوم ميلاده الخماس عشر من يناير 1990 وتسرد فى فخر اسم أميرها كاملا” أمير ابراهيم عوض الله الوحش التحق بمدرسة النقراشى التجريبية 1995 واتم الثانوية العامة فى 2009 والتحق بكلية الهندسة بالجامعة الكندية لكمه كان يحلم ليكون ظابط فى البحرية”, وتتنهد البطلة, وتتنتقل بين مراحل حياة أميرها كما تشاء “أمير من صغره كان مفتون بالمسلسلات المخابراتية وكان نفسه يكون ظابط مخابرات لبلده, كان لما يحكى لى عن طفولته , كان يقول لى:” كان نفسى من صغرى احارب اعداء بلدى بس علشان ما كانش فيه ساعتها حرب كنت عايز اكون فى المخابرات” ولما اتقدم لمكتب التنسيق بعد الثانوية العامة حاول يحقق حلمه الكبير وراح سحب ملف التقديم فى الكلية الحربية ولانه كان متفوق دراسيا ومتميز رياضيا, حقق الله له حلمه الاول بالقبول بالكلية الحربية التى ظهرت نتيجتها فى أول مرة بعدم القبول ولكن لاصراره على ان يكون من ابناء القوات المسلحة قدم تظلم وبالفعل تم قبول التظلم واستمر فى الاختبارات وتم اعلان قبوله بالكلية الحربية فى 2009وبعد ثلاثة سنوات تخرج أميرى ملازم فى يوليو 2011 بالدفعة 105كما كان يحلم” وتعود البطلة تتجمل فى أوصاف أميرها :” كان متزن نفسيا ومتوازن فى كل احواله, وعطوف لكل من حوله لدرجة أن أحد جنوده عندما جاء مع زملاءه فى عزاء الشهيد قال لى :” سيادة المقدم أمير كان بيحن علينا زى ولاده بالظبط, حتى انه كان دايما ماسك سلاحه بايد والايد التانية ماسك بيها واحد مننا لما يكون المجند مننا تعبان أو مش قادر يمشى” وتحكى عن مجند آخر عرف باستشهاد البطل وكان انهى تجنيده فجاء ليقدم واجب العزاء:” ما ننساش يا فندم فى 2018 لما استشهد زميل لينا فضلنا كلنا نبكى عليه منحبنا فيه وما قدرش واحد مننا يخليه أو يشيله من الميدان الا سيادة الرائد أمير هو اللى راح ناحيته وشاله على كتفه زى ابنه تمام, وبالليل سهر معانا وقال لنا ان زميلنا ربنا بيحبه اكتر من أى واحد فينا, وانه هو شخصيا بيدعى ربنا انه يكون زى الشهيد المجند, واقسم امامنا كلنا ان نفسه كل يوم يكون شهيد, واهو نالها لانه كان بيتمناها بصدق واخلاص”.

وبروح عفوية تروح البطلة فى حكياتها عن أميرها وتجىء متنقلة كما تشاء كان بيقول :”انه بيعامل جنوده كما يعامل جميلة وحليمة وانه مؤتمن عليهم” وتعود لجنود اميرها عندما حكى لها واحد منهم :” سيادة المقدم امير كان ونعم الاخ والاب, كان عارف كل حاجة عن كل واحد فينا, وكان بيقدر ظروف كل واحد كأنه ابوه أو اخوه, لدرجة انه سمح لزميل فينا انه ينزل اجازة امتحانات لخوفه على مستقبله رغم ان الاجازات كانت صعبة فى التوقيت ده الا انه قال له :” انا سمحت لك باجازة علشان تجيب امتياز فى امتحان الدراسات العليا علشان مستقبلك”

وتستكمل ان احد زملاء الشهيد وهو الرائد محمود قال لها:” ان البطل كان دائما ما يلغى اجازته اذا صادفت مأمورية مداهمة علشان يقود هو بنفسه ضباطه وجنوده, وكان القائد يثق فيه بشكل كبير لانه تقريبا امضى خدمته كلها فى سيناء وكان عارف جبالها ووديانها وكل قبائل سيناء كانت عارفه وكان عارفهم ومتعاون معاهم ”

وتقول :” امير تقريبا ما سابش سيناء غير سنة واحدة من خدمته فى الهايكستب وطلب يرجع لها تانى وتنقل فى معظم وحداتها وخدم فى رفح واشترك فى كل عمليات مواجهة الارهاب فى سيناء زى حق الشهيد والعملية الشاملة لحد ما استشهد فيها”.

اما عن الكتيبة التى خدم واستشهد فيها تجكى :”كان قبله العقيد احمد جمعه والمقدم احمد شرف المقدم احمد بسيونى وجميعهم سبقوه للجنه, وكان بيحكى باحترام كبير اوى عنهم وكان دايما يقول عنهم انهم ابطال, وسنة 2021شهر يوليو استشهد العقيد احمد جمعه وبعده المقدم بسيونى وبقى مع امير المقدم اسماعيل وطلب القائد من امير ان يتولى قيادة الكتيبة بالمناسبة كل زمايل امير عارفين انا بحبه اد ايه لدرجة ان واحد منهم قال لى ان امير ما كانش بيتكلم الا عن سيناء ونورا “.

ويختلط البكاء بالفخر وترفع البطلة رأسها وهى تحكى عن أميرها:” أمير اترقى 30 يونية 2022يوم الخميس ويوم الجمعة اتصل بينا وكلم جميلة اللى كان بيعاملها كانها صديقته مش بس بنته, وهى كمان كانت بتصلى وتدعى ربنا لما اجازته تطول انه يمزل اجازة او تسمع صوته من التليفون , وبالفعل اتصل يوم الجمعة واتكلم كتير مع جميلة ولما كلمنى قال :” انا كنت سارح بفكرى فى الصحراء وشوفتك انت والبنات جانبى , على فكرة يا نورا انا بقيت اخاف من انى اتنقل من سيناء وحاسس ان روحى متعلفة بيها” واخدت حليمة التليفون بس ما عرفتش تتكلم كتير معاه لان عمرها كان اقل من سنتين ولسه كانت بتتعلم الكلام, وهو وصانى على نفسى ووصانى على البنات ونصحنى اكتر من نوافل الصلاة علشان هو عايزنى معاه فى الجنة , وقلت له :” انت لما تروح الجنة خدنى معاك” فقال :” الجنة قربت وفيها حور عين وانا عايزك قبل الحور العين انت اللى تكونى جانبى” وكلم جميلة وقال لها :” ما حدش فيكم يزعل نورا مراتى وحبيبتى اللى يزعلها يبقى زعل بابا , اتفقنا” , وطالت المكالمة على غير المعتاد, وبعد ما انهى المكالمة جانى الهاجس اللى فضل اكتر من شهر يهمس فى اذنى ” امير شهيد” وتيجى وخزة صعبة اوى فى جانبى اليمين, وما تروحش الا لما استغفر ربنا واتوضىء واصلى النفل كما كان ينصحنى أمير, ويوم السبت الصبح فضلت حليمة تبكى وتبص ناحيتى كانها عايزة تقول حاجة, ولما التليفون رن سكتت وبصت ناحيته , ولما كلمنى زميل لامير قال لى :” اصبرى واحتسبى الشهيد كان بيقول انه سايب وراه بطلة وكلنا عارفين انك بطلة” ساعتها سمعت الهاجس تانى وجات الوخزة فى جانبى وربنا جعلنى افتكر كلام ونصيحة امير :” لما يجى لك تليفون عنى يا نورا قولى انا لله وانا اليه راجعون” ساعتها ما كنتش بقول غير انا لله وانا اليه راجعون, لكن الحقيقة الهاجس والوخزةبطلوا يجوا لى لان امير من ساعة استشهاده ساب سيناء وبقى معانا بشوفه وباسمع صوته هو وبس, وتحكى عن روؤية لاحد زملاء امير بعد استشهاده :” زار امير زملاء الكتيبة وسألوه عن حاله فقال لهم ان كل ليلة مع نورا وبناتى اكلمهم والعب مع جميلة وحليمة ومن ساعة ما روحت الجنة وانا معاهم” وتكمل كما اعتادت التنقل البطلة:” يومالسبت الاول من يوليو 2022 خرج امير وزميله الرائد محمود و18 من رجاله فى مداهمة وبعد ان وصلوا للموقع المحدد لم يجدوا الارهابيين الا ان امير قال لرجاله :” كل واحد ياخد ساتر ويحمى نفسه انا حاسس ومتاكد ان كلاب اهل النار هنا حوالينا” وبالفعل صعد لقمة جبل المغارة ليكتشف ويمشط بمفرده ومع اقترابه الحذر من الثنيات الارضية والمواقع المحتمل اختباء الارهابيين خلفها اسرع وقتل اثنين منهم واصاب الثالث الذى اسرع واخرج طلقة من سلاحه ناحية امير فاخترقت يمنه اسفل ابطه فوق حد الواقى من الرصاص الذى ارتداه للمرة الاولى فى هذا اليوم وارتقت روحه كما كان يدعوا ربه ان يلقاه شهيدا مقبل غير مدبر.

تعود وتحكى عن امير وعلاقته بمن حوله:” امير كان صديق لوالده عمو ابراهيم وكان والده يستشيره فى كل امور الاسرة, وكان امير والد لوالدته ماما نبيلة عبد الحميد, كان عطوف عليها بار وحنون لاقصى درجة, اما اخوته عبد الرحمن واميرة فكان لهم صديق ووالد اما الاصغر نور كان يعتبره ابنه البكرى ويطلب منى ان احبه كانه ابنى وهو بالفعل كذلك”

اما عن حالها مع اميرها الذى ارتسم بابتسامات عفوية بريئة عندما بدأت تحكى عن امير:” لما كان فى سيناء كان حالى بيتبدل خوف ولهفة عليه لدرجة انه لما يرجع كانوا الناس من اهلنا يقولوا:” انت ابدلتى من واحدة دبلانة لعروسة” وهو يقول :” انا دايما شايف نورا عروسة” وانا اقول له “ربنا بيجملنى فى عنيك لانك تستاهل كل حاجة حلوة”

وتعود لما قبل السنوات التسعة عمر زواجهما :” امير شافنى فى حفل التخرج وطلب من زميلة مشتركة بيننا ان تحدد ميعاد للزملاء نتقابل وكان يوم 20 يونية 2013وكأنه صدفة وحتى 22 نوفمبر لم اكن اعلم بأنه يراقبنى كان يطلب زيارة بيتنا وزار والدى وطلب من والدى بعد موافقته ان يكون تاريخ الخطوبة هو25 ابريل 2014 وهو تاريخ عيد ميلادى وفيما بعد قال لى انه احبنى اكثر عندما علم بتاريخ ميلادى لانه مرتبط بذكرى تحرير سيناء التى يحبها هى ايضا ومنذ وقت اعترافه هذا وانتابتنى حالة من الفرح بوطنية شريك حياتى وغيرة من سيناء التى اخشى ان تأخذه منى, ولما كلمته للمرة الاولى كنت اشعر باننى اعرفه من زمن بعيد وحكى لى انه احبنى من اول نظرة, وكان زواجنا 18 اكتوبر 2015 وعلمت لماذا انا ايضا احب سيناء, وهو ان حبيبى كان يرانى فى سيناء وانا كنت احب سيناء فيه”.

عن admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *